د. خالد بدوي يكتب | الصحة النفسية في مصر
إن من أهم أهداف الصحة النفسية بناء الشخصية المتكاملة وإعداد الانسان نفسياً وعقلياً فى أى قطاع من قطاعات المجتمع، وأياً كان دوره الإجتماعى بحيث يُقبل على تحمل المسئولية الإجتماعية ويعطى للمجتمع بقدر ما يأخذ أو أكثر مستغلاً طاقاته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن، ولكى يتحقق هذا يجب تحقق مطالب النمو الإجتماعى للفرد مثل النمو الإجتماعى المتوافق إلى أقصى حد ممكن، وإشباع الحاجات النفسية والإجتماعية وتقبل الواقع وتكوين اتجاهات وقيم اجتماعية سليمة والمشاركة الإجتماعية الخلاقة المسئولة وتوسيع دائرة الإهتمامات وتنمية المهارات الاجتماعية التى تحقق التوافق الاجتماعى السوى وتحقيق النمو الدينى والاخلاقى القويم.
أعلنت وزارة الصحة والسكان في عام ٢٠١٧، ممثلة في الأمانة العامة للصحة النفسية، نتائج المسح القومي للصحة النفسية، ومعدل انتشار الاضطرابات النفسية بمصر، بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وبتمويل من منظمة الصحة العالمية.
حيث كشف المسح القومى للصحة النفسية الخاص بقياس معدل انتشار الاضطرابات النفسية للمصريين، أن ٢٥% من المصريين يعانون من “مشاكل نفسية” و0.4% منهم فقط يتلقون العلاج و43.7% من المصابين يعانون من الاكتئاب، وأن كبار السن أكثر عرضه للانتكاسات النفسية، وأن نسبة مرضى اضطرابات تعاطى المخدرات بلغت 30.1٪
وكشف المسح أن انتشار الاضطرابات النفسية أكثر فى المناطق الريفية عن المناطق الحضرية، وارتفاع معدل انتشار الاضطرابات النفسية فى محافظة المنيا، وهى واحدة من أكبر محافظات صعيد مصر.
والصحة النفسية تهتم بدراسة وعلاج المشكلات الاجتماعية الوثيقة الصلة بتكوين ونمو شخصية الإنسان والعوامل المحددة لها مثل مشكلات الضعف العقلى والتأخر الدراسى والنجاح والإنحرافات الجنسية، وكذلك أيضاً المشاكل الأسرية ومشاكل تربية الأبناء، وهذا من أهم ما يمكن بالنسبة للمجتمع، بالتالي فإن الصحة النفسية تساعد فى ضبط سلوك الإنسان وتوجيهه وتقويمه بهدف تحقيق أفضل مستوى ممكن من التوافق النفسى كإنسان صالح فى المجتمع.
والصحة النفسية للمجتمع نفسه فى غاية الأهمية، حيث أن المجتمع الذى يعانى من التمزق وعدم التكامل والترابط بين أفراده، والمجتمع الذى تسود فيه العديد من المشكلات النفسية والمجتمعية مجتمع مهدد بالصراعات والتفكك بين أفراده.
انتشرت مؤخراً العديد من الظواهر المجتمعية السلبية مثل جرائم العنف الأسري والتنمر والتحرش وهتك العرض .. إلخ، وبالرجوع إلى هذه الجرائم وتحقيقات النيابة العامة مع مرتكبيها نجد أن المرض النفسي هو العامل المشترك بينهم جميعاً، الأمر الذي ظهر معه جلياً ضرورة التدخل والتكاتف والخروج بمبادرات مجتمعية للصحة النفسية في مصر، فالإهتمام بالصحة النفسية للمصريين هو حجر الزاوية للقضاء على العديد من الظواهر المجتمعية السلبية التي تتفاقم بشكل ملحوظ وجرائم العنف التي انتشرت في الأونة الأخيرة وراح ضحيتها المئات من المواطنين.
كما أن المواطن المصري هو حجر الزاوية لخطط التنمية المستدامة والتنمية الإقتصادية التي نسعى لها جميعاً، وهو حجر الزاوية لأي جهود تنموية في كافة القطاعات، فالإنسان المصري القديم اتسم بالبناء فبنى حضارات ومعالم ظلت راسخة حتى الأن رغم تعاقب العصور ومرور ألاف السنين، لذا حرص السيد رئيس الجمهورية منذ بداية توليه على الإهتمام بتنمية المواطن المصري وصحته فتم إطلاق العديد من المبادرات ولعل أبرزها المبادرة القومية للقضاء على فيروس سي والكشف عن الأمراض غير السارية ” 100 مليون صحة”.
ولأن الصحة النفسية للمواطن المصري لاتقل أهمية عن الصحة الجسدية، ونظراً لإنتشار العديد من الظواهر المجتمعية السلبية كان العامل المشترك بينهما هو العوامل النفسية وسوء الصحة النفسية، فقد جاءت فكرة المبادرة من خلال إطلاق برامج تقييم وتأهيل للأسرة والمدارس ومراكز الشباب والجامعات والمؤسسات والهيئات والمحافظات والوزارات، وبُمراجعة رُبع سنوية على الأفراد، وحصر ودراسة أسباب زيادة معدل الجريمة، خاصة المرتبطة بالمشكلات الأُسرية، ودراسة أسبابها وتوطين محاور العلاج من خلال إرشادات إعلانية، إلى جانب استصدار قانون يُعزز هذه الآليات.
يحتاج المجتمع المصري إلى تخطيط دقيق خاص بالصحة النفسية، ويحتاج التخطيط للصحة النفسية للمواطنين إلى إجراءات هامة متمثلة فيما يلي:-
1. تهيئة بيئة إجتماعية صديقة أمنة تسودها العلاقات الاجتماعية السليمة، خالية من كافة المشكلات المجتمعية ومظاهر العنف بين المواطنين.
2. الاهتمام بدراسة الإنسان والمجتمع، ورعاية الطفولة صانعة المستقبل ورعاية الشباب عصب المجتمع ورعاية الكبار، وحماية الاسرة الخلية الأولى للمجتمع وتقديم الدعم النفسي اللازم لحل مشكلاتهم.
3. إصدار التشريعات الخاصة بالفحص الطبى والنفسى قبل الزواج، وتقديم الدعم والتوجيه والإرشاد النفسي للأزواج، والتشريعات الخاصة بحماية الأسرة والأطفال والشباب وذوي الإحتياجات الخاصة وكبار السن من المؤثرات الفكرية والإجتماعية السلبية التي تؤثر على صحتهم النفسية.
4. رفع مستوى الوعى النفسى بين من تتصل أعمالهم بالجمهور وخاصة فى الهيئات والمؤسسات العامة.
5. الإهتمام بالتوجيه والارشاد النفسى في كافة المؤسسات الحكومية.
6. الإهتمام بمفهوم الوقاية من الامراض النفسية.
تقوم المبادرة على محورين رئيسين أولهما هو تقديم كافة سبل الدعم والتوجيه والإرشاد النفسي للمواطنين، والثاني هو تقديم كافة الإجراءات الوقائية لحماية كافة فئات المجتمع وتعزيز صحتهم النفسية.
وتتمثل محاور عمل المبادرة حول مايلي:-
1. تنظيم حملات إعلامية موسعة لنشر أهمية الصحة النفسية للمواطن المصري وتقدم التوجيه والإرشاد والدعم النفسي من خلال كافة الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي.
2. تخصيص خط ساخن لتلقي الإستفسارات والحالات وتقديم الدعم النفسي لهم وتوجيههم إلى أقرب مستشفيات وعيادات الصحة النفسية إذا استدعت الحالة ذلك.
3. عمل تقرير مفصل بأماكن وعناوين وأرقام مستشفيات وعيادات الصحة النفسية في مصر لتوجيه الحالات إليها.
4. تعزيز ثقافة أهمية الصحة النفسية لدى المواطنين.
5. التوسع فى إنشاء مراكز الدعم النفسي ومراكز التوجيه والإرشاد الأسري بالتعاون مع وزارة الصحة وزارة التضامن الإجتماعي.
6. دعم المراكز البحثية المتخصصة والتوسع في البحوث الميدانية حول الإضطربات النفسية الإجتماعية.