لم تكن قضية تمكين المرأة في مصر يومًا ملفًا بسيطًا، بل كانت دائمًا معركة ممتدة بين الواقع والطموح، وبين التقاليد والدستور. ومع قدوم الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، بدا وكأن هناك إرادة سياسية حقيقية لكسر هذه المعادلة التاريخية، وفتح الأبواب أمام نصف المجتمع ليأخذ مكانه الطبيعي في المشهد الوطني. فقد شهدت مصر خلال العقد الأخير تحولًا استراتيجيًا في سياسات تمكين المرأة، حيث أصبحت قضية تمكين المرأة وحمايتها أولوية وطنية تنعكس في التشريعات والبرامج الحكومية والمبادرات الرئاسية. وقد تحولت مصر من دولة تُناقش قضايا المرأة إلى دولة تضعها في صلب عملية التنمية المستدامة.
لأول مرة، نشهد رئيسًا يعلن، في أكثر من محفل رسمي أن “المرأة المصرية هي ضمير الأمة”ويترجم ذلك إلى خطوات فعلية وليس مجرد شعارات فمن التمثيل غير المسبوق للمرأة في الحكومة والبرلمان إلى إطلاق برامج دعم اقتصادي وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، بدت ملامح التمكين واضحة وصادقة.
لننظر مثلًا إلى التمثيل الوزاريفهناك عدد غير مسبوق من الوزيرات في مناصب حيوية، منهن من تتولى وزارات اقتصادية حساسة، في مشهد كنا نحسبه يومًا بعيد المنال. وفي البرلمان، لم يعد حضور المرأة تجميليًا، بل أصبح محميًا بقانون يضمن لها ربع المقاعد، وهو تطور يحسب للقيادة السياسية. حيث أصدرت الدولة المصرية سلسلة من القوانين والتعديلات الدستورية سنة 2019 التي عززت حقوق المرأة وكفلت تمثيلاً أكبر للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية إلي جانب القوانين التي تدعم مواجهة العادات الاجتماعية المجحفة للمرأة مثل القانون الصادر سنة 2021 الخاص بتجريم حرمان المرأة من الميراث وقانون حماية البيانات الشخصية والذي يساهم في حماية المراة من التحرش والابتزاز الالكتروني بالإضافة إلى إصدار تعديلات على قانون العمل لتحقيق وضمان المساواة في الأجور وفرص التوظيف
وفي ملف العنف ضد المرأة، فقد شهدنا تطورًا نوعيًا في اللغة والممارسة. الدولة باتت تتحدث صراحة عن العنف الأسري، والتحرش، والتمييز، وسنت قوانين لردع المعتدين، وشجعت النساء على التبليغ دون خوف. حتى أن الجامعات باتت تحتوي على وحدات لمناهضة العنف
اقتصاديًا، تغيرت قواعد اللعبة. برامج مثل “تكافل وكرامة” لم تكن فقط دعمًا ماليًا، بل كانت اعترافًا رسميًا بأن للمرأة المعيلة حقًا في الحماية والرعاية. النساء أصبحن أيضًا شريكات في ريادة الأعمال، وفي إدارة المشروعات الصغيرة، بعدما وفر جهاز تنمية المشروعات القومية قروضًا وتدريبات خصصت لتمكينهن. وركزت الدولة على تمكين المرأة اقتصاديا فنجد أن هناك بعض البنوك على رأسها بنك ناصر الاجتماعي يقدم قروضاً ميسرة لرائدات الأعمال من خلال بعض المشروعات مثل مشروع “دوي” ومبادرة “مشروعك” وذلك لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة للمرأة في الريف. إن الدولة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية تهدف وبشكل فعال إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل والوصول الى نسبه 35% وتم إدراج تلك النسبة لتكون هدف من أهداف الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030
وحتى تتمكن النساء من الاستفادة من الجهود التي تبذلها الدولة في ملف تمكين المرأة كان لابد من العمل على رفع الوعي والتدريب والتعليم لذا نجد أن هناك حملات قومية تستهدف محو أمية أكثر من 3 ملايين من النساء وإلحاقهن في برامج التدريب التقني والفني من خلال مبادرات مثل مبادرة “إتقان” لتعزيز مهارات المرأة في مجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والحرص على دعم الفتيات في مجالات وتخصصات غير تقليلدية مثل الميكانيكا والطاقة
كل ذلك جيد، لكنه لا يعني أن الطريق قد انتهى. فما زالت الثقافة المجتمعية في بعض الأوساط تضع سقفًا لطموح المرأة، وتتعامل مع تمكينها باعتباره استثناءً لا قاعدة. التحدي الحقيقي الآن هو الاستدامة؛ أن نحول هذا الزخم السياسي إلى حالة اجتماعية راسخة، وأن نُربّي الأجيال الجديدة على مفاهيم المساواة. حيث أنه ما زالت هناك فجوة بين التشريع والتطبيق خاصة في بعض المناطق الريفية وهناك حاجة كبيرة لمزيد من الحملات التوعوية لتغيير الصورة النمطية للمرأة وتعزيز الشمول المالي للمرأة عبر التكنولوجيا المالية
تمكين المرأة هو استثمار حقيقي في مستقبل وطن لا يمكن أن ينهض بنصف طاقته فقط. وإذا استمر هذا النهج، فإننا أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمرأة، لا على أساس الحماية، بل على أساس الشراكة الكاملة.
ومن خلال ما تم استعراضه من جهود حكومية وخطط استراتيجية وقوانين وتعديلات دستورية يتضح أن
تمكين المرأة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس شعارًا، بل واقعًا تدعمه الأرقام. مصر اليوم تقدم نموذجًا يُحتذى به في المنطقة، حيث تُعتبر المرأة شريكًا أساسيًا في بناء الجمهورية الجديدة. ولكن الاستمرار في هذا النهج يتطلب تعاونًا بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لضمان استدامة هذه المكاسب.