د. رامي جلال يكتب | عشر خطوات لتطوير الإعلام

0

كانت دعوة الرئيس السيسي لإصلاح الملف الإعلامي هي خطوة مهمة، لكن أخشى أن يُختزل مفهوم الإصلاح في إعادة بعض الوجوه القديمة إلى الشاشات دون أي تغيير حقيقي في آليات العمل أو تحديث جوهري في المنظومة ذاتها.
تمتد علاقتي بالإعلام لأكثر من نصف عمري، حيث بدأت الكتابة الصحفية عام 2003. وعقب ثورة يناير، عملت مستشارًا إعلاميًا لعدد من الشركات الخاصة، ثم منسقًا إعلاميًا في مكتب العلاقات التنسيقية بين حكومتي مصر والإمارات بالقاهرة. ثم متحدثًا رسميًا باسم ائتلاف المعارضة في أثناء معركة الانتخابات البرلمانية (2015)، بعدها تعاونت مع مكتب السيد رئيس الجمهورية، لما يقارب العامين، كمسؤول عن وحدة رصد إعلامي، تُقدم نشرة إعلامية صباحية يومية للسيد الرئيس. وشغلت بعدها، لأربع سنوات، منصب المستشار الإعلامي والمتحدث الرسمي لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية (مع العزيزة د.هالة السعيد). كل ذلك بالتوازي مع العمل الأكاديمي، كعضو هيئة تدريس بالجامعة.. ومن القطاع الخاص، ومن بعده الجهاز التنفيذي، انتقلت إلى السلطة التشريعية، نائبًا في مجلس الشيوخ، وركزت خلال سنوات خمس على العمل في لجنة الثقافة والإعلام، وقدمت لها عشرات المقترحات والدراسات، التي لم تأخذ هي نفسها حظها الكامل إعلاميًا، مثلها مثل المجلس ذاته.
جلست مع السيد الرئيس في ديسمبر عام 2014، ضمن مجموعة ضيقة أطلقوا عليها وقتها اسم “شباب الإعلاميين”، وقدمت بعدها رؤيتي للكثير من الأمور، لكن الملف عمومًا لم يتقدم كثيرًا. ومن خلال تجربتي أرى أن إصلاح الإعلام يبدأ بعشر وصايا أساسية تمثل رؤية واضحة، وإرادة جادة، وخطة عملية قابلة للتنفيذ.
1- صياغة رؤية وطنية للإعلام: وهي وثيقة رسمية تحدد أهداف الإعلام ودوره، مع وضع مؤشرات أداء قابلة للقياس، وجداول زمنية واضحة، حتى يعرف المواطن ما ينتظر من إعلام بلاده، وما يمكن محاسبته عليه.
2- تنويع الملكية وضمان الحوكمة: حيث لا تتحقق التعددية إلا بذلك. ومن حق الدولة أن تمتلك منصات للخدمة العامة، شريطة أن تُدار بمهنية واستقلال، بينما يُترك باقي السوق للتنافس الحر بين الُملاك.
3- فصل الملكية عن التحرير: ومن المهم اختيار القيادات على أساس الكفاءة المهنية، وضمان ممارسة العمل بحرية ومسؤولية.
4- تنظيم مستقل حقيقي: ويتم عبر وجود جهاز منظم للإعلام يتمتع بتمويل مستقل وصلاحيات واسعة، ويُحاسَب أمام البرلمان والرأي العام، لا أمام جهات تنفيذية فقط.
5- إقرار حق المواطن في المعلومة: عبر إتاحة البيانات بانتظام، وإنشاء مركز وطني للاستجابة السريعة وقت الأزمات.
6- تمكين الشباب والكفاءات: عبر برامج تدريب احترافية في الصحافة الاستقصائية، وصحافة البيانات، والإعلام الرقمي، بالشراكة مع الجامعات والمؤسسات الدولية.
7- تفعيل مبدأ الرأي والرأي الآخر: من خلال مناظرات منتظمة، وإتاحة مساحات للرؤى المختلفة، ودعم مبادرات تدقيق الأخبار والمعلومات.
8- سوق إعلانات عادل وشفاف: من خلال قياس مستقل للمشاهدة والجمهور، وآليات توزيع مُنصفة تضمن استقرار تمويل المؤسسات الإعلامية، وتمنع الاحتكار.
9- بناء صورة مصر خارجيًا: بإطلاق منصات إعلامية مهنية بلغات متعددة، قادرة على إيصال الرواية المصرية إلى العالم، بالتوازي مع شراكات دولية لإنتاج وتوزيع المحتوى.
10- دمج الثقافة في السياسات الإعلامية: عبر تأسيس شراكة استراتيجية بين الإعلام والمؤسسات الثقافية، بحيث يصبح الإعلام أداة لترويج الهوية الثقافية المصرية، وداعمًا لسياسات التجديد الثقافي، وإحياء التراث المادي واللامادي، ومساندًا للقوة الناعمة.
ملف الإعلام ليس ترفًا أو مسألة يمكن تأجيلها، بل هو جزء أصيل من الأمن القومي، وعنصرًا حاسمًا في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع. وهو ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو التعبير عن المواقف، بل أداة لصناعة الوعي، وإدارة الأزمات، وترسيخ الانتماء، ورسم صورة الدولة داخليًا وخارجيًا.
الإعلام في أي دولة هو مرآتها وصوتها، فإذا اهتزت صورته أو صوته، اختل إدراك الناس لحقيقتهم، ورسالتي هي أنه لا يمكن للإعلام أن يظل مجرد نشرة علاقات عامة. المطلوب أن يسبق ولا يلاحق، أن يقود ولا يُقاد، وأن يصوغ وعيًا حقيقيًا.. لا أن يكتفي بالشعارات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.