كل عام يجيء أكتوبر محمّلًا بذاكرة النصر والعبور العظيم، فنحتفل بالجنود البواسل الذين سطّروا ملحمة خالدة في تاريخ مصر. نرفع رايات الجيش، ونردد أسماء القادة والأبطال، ونحكي قصص الشجاعة والفداء. لكن وسط هذا الاحتفاء المشروع، تغيب عن الأذهان صفحة أخرى من صفحات البطولة: صفحة المرأة المصرية.
المرأة التي لم تحمل السلاح على الجبهة، حملت الوطن على كتفيها في الداخل. كانت الأم التي ودّعت ابنها للجبهة وهي تخفي دموعها وتزرع فيه روح الصمود. وكانت الزوجة التي تحملت غياب زوجها وربّت أبناءها وحدها في صبر وإيمان. وكانت البنت التي شاركت في المستشفيات كمتطوعة، تُضمد الجراح وتمنح الأمل للجنود العائدين من المعارك.
نساء مصر قدّمن الذهب والمقتنيات الثمينة لدعم المجهود الحربي، ووقفن في طوابير طويلة للتبرع بالدم، وحملن على عاتقهن مهمة الحفاظ على الحياة اليومية في القرى والمدن كي يظل الوطن قائمًا. كثيرات عملن في المصانع والمزارع والمدارس لتعويض غياب الرجال، فكنّ بحق الجبهة الداخلية الصلبة التي يستند إليها الجيش على الجبهة.
إن الانتصار لا يُصنع بالسلاح فقط، بل بصمود شعب بأكمله. وإذا كان الجنود قد صنعوا المعجزة على خط النار، فإن النساء هن من صنعن المعجزة في بيوتهن وحقولهن ومستشفياتهن.
أكتوبر إذن ليس مجرد ذكرى لعبور قناة السويس، بل هو أيضًا عبور للمرأة المصرية من الهامش إلى قلب المعركة، عبور من الصبر إلى الفعل، ومن التضحية الفردية إلى البطولة الجماعية.
فلنحتفل هذا العام، وكل عام، بجيشنا الباسل وبنسائنا الصامدات، لأن النصر الذي نعيشه اليوم هو ثمرة سواعد الرجال وقلوب النساء معًا