د.رغدة محمود تكتب | السلام الاجتماعي غاية ووسيلة

0

يسعى الإنسان منذ ولادته إلى البحث عن الهدوء والاستقرار والنماء والحب والتآلف مع الآخرين، لأنه كائن اجتماعي بفطرته لا يمكنه البقاء بعيدًا عن الآخرين ولا يتقبل الإحساس بالرفض أو العزلة أو التجنب. لذا، يبحث دائمًا عن تحقيق السلام بكافة أشكاله وصوره وإعلان الهدنة مع البيئة المحيطة به، بل ويدعم ويعزز القيم التي تساعده على تحقيق ذلك السلام.
تتعدد قيم السلام الاجتماعي التي يرسخها الأشخاص داخلهم ويتمسكون بها، والتي نشأت من خلال تفاعلهم مع الآخرين وخبرات المعيشة التي مروا بها. وتعد هذه القيم أفكارًا يستخلصونها وينظرون إليها على أنها قيمة في حد ذاتها لا يمكنهم التنازل عنها أو العيش دونها. ومن هذه القيم التسامح واحترام حرية الرأي والتعاون والمشاركة والانتماء ونبذ العنف وغيرها من القيم.
نظرًا لأن السلام الاجتماعي ليس وسيلة فقط لتقديم حلول للخلافات والصراعات والتوترات التي تنشأ بين الأفراد أو الطبقات أو حتى المجتمعات المختلفة، وإنما وسيلة لاستدامة واستمرارية الحياة بعيدًا عن الصراعات الداخلية والخارجية. بل يتجاوز ذلك ليكون هدفًا يسعى الجميع لتحقيقه لينعموا بحياة مرضية.
في إطار سعي الدول بشكل عام، والدولة المصرية خاصة، لتحقيق التنمية المستدامة وإحراز تقدم ملموس في كافة المجالات، فإن الأمر يتطلب أولًا وقبل كل شيء تعميق أواصر السلام الاجتماعي بين أطياف المجتمع عامة، والشباب خاصة، وتعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية لتعزيز المواطنة واحترام التعددية والمسؤولية المجتمعية بين الأفراد من أجل تحقيق السلام والتنمية البشرية المستدامة.
حيث يتعرض شبابنا اليوم للعديد من المخاطر والمؤثرات نظرًا لما تمر به المجتمعات من تحولات وتغيرات متلاحقة على جميع الأصعدة، فضلًا عن التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي والقنوات المفتوحة التي باتت تبث الأفكار المنحرفة الهدامة لفكرة الانتماء والإحساس بالهوية الوطنية، مما يؤثر على نسقهم القيمي وقناعاتهم وأفكارهم، بل وتوجهاتهم الواعية نحو السلام الاجتماعي وكيفية تحقيقه وأهميته وقيمته، بصورة قد تؤثر سلبًا على تشكيل الوعي الكافي بقضايا أمتهم واحتياجاتها.
ومن هنا تتأكد ضرورة تشجيع الشباب ليكونوا بناة ودعاة للسلام في المجتمع من خلال نبذ العنف والانحراف الفكري ودعم حرية التعبير التي تعمق أواصر السلام الاجتماعي فيما بينهم، مما يحتم على كل أب وأم، وكل معلم ومعلمة، وكل صانع قرار، الاهتمام بغرس ونشر ثقافة السلام الاجتماعي وتنمية قيمه وتعزيزها في نفوس أطفالنا وشبابنا. فالسلام الاجتماعي ليس وسيلة لاستدامة الحياة فقط، وإنما غاية نسعى من خلالها إلى العيش بإنسانية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.