د.شريف عبد الحميد يكتب | قراءة هادئة سبع سنوات التنسيقية

0

لم تكن البداية عادية، ولا كان السياق محتملًا، في عام 2018، بينما كانت الأحزاب تدور في حلقة مفرغة من البيانات الإنشائية، ومقاعد البرلمان تُحجز بالمُسبق أو تُملأ بالغياب، خرج إلى العلن كيان اسمه “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين”. اسم طويل، نعم، لكنه جاء ليختصر حالة من التكلّس السياسي عمرها عقود.
قالوا في البداية؛ هؤلاء مجرد شباب علاقات عامة، زينة للنظام في مؤتمرات الشباب.
وقال آخرون؛ ما هم إلا واجهة لتمرير أفكار من فوق، لكن بملامح من تحت. ثم مرت السنوات، وها نحن اليوم أمام كيان احتفل بمرور سبع سنوات على تأسيسه، وكأن الدولة تقول؛ نعم، هذا مشروعنا السياسي في نسخة شبابية.
يصعب أن نقرأ تجربة “التنسيقية” خارج سياق ما جرى منذ 2013، حين أعادت الدولة رسم خارطة النخبة من جديد. في زمن كان فيه الحديث عن السياسة يُشبه دخول دائرة خطر، ظهرت التنسيقية كفكرة وسط، تُطبع السياسة بطابع وطني، وتعيد إنتاج مفاهيم كادت تندثر “العمل الحزبي”، “الممارسة”، “الحوار”.
لا شك أن التنسيقية ملأت فراغًا حقيقيًا في المجال السياسي، ولكن السؤال الأهم بعد سبع سنوات هو هل أضافت التنسيقية للسياسة أم أعادت إنتاجها في ثوب جديد؟
عدد من أعضائها باتوا نوابًا في البرلمان، أعضاء في مجلس الشيوخ، أو متحدثين باسم الدولة في ملفات شائكة، وهذا تطور يُحسب لها، لكنه لا يُعفيها من سؤال أكبر: هل هؤلاء الشباب يُمثلون طيفًا حقيقيًا من المجتمع، أم مجرد نخبة مُنتقاة بعناية، تقف في منتصف الطريق بين السلطة والمعارضة، فلا تغضب أحدًا ولا تُفاجئ أحدًا؟
في حواراتهم، أحاديثهم، ومداخلاتهم في الإعلام، يبدو شباب التنسيقية حريصين على توازن دقيق؛ لا معارضة صاخبة، ولا ولاء أعمى. يملكون نَفَسًا هادئًا، جُملاً مدروسة، وإطلالات محسوبة.
وهنا يكمُن التحدي الحقيقي؛ هل تستطيع التنسيقية أن تتحول من كيان يتحدث بلغة الدولة، إلى كيان يُحدث فرقًا في لغة الدولة نفسها؟
بمنطق الإنصاف، لا يمكن تجاهل أن التنسيقية فتحت أبوابًا كانت مغلقة. نقلت عددًا من شباب الأحزاب من مقاعد الهامش إلى دوائر الفعل. خلقت جسورًا، ولو محدودة، بين الدولة وجيل جديد من الفاعلين. لكنها، في المقابل، لم تُنتج خطابًا سياسيًا مختلفًا، ولم تُحدث اختراقًا في بنية العمل الحزبي أو تُلهم قواعد جديدة.
سبع سنوات مرت؛ كافية لتخرج أي تجربة من طورها التجريبي إلى مساحة المراجعة،
ربما حان الوقت أن تسأل التنسيقية نفسها قبل أن يسألها الآخرون: هل ما زلنا نجدد دماء السياسة… أم أصبحنا جزءًا من روتينها؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.