د. عادل جعفر يكتب | المسؤولية الطبية.. الصحة حق

0

يمثل قانون المسؤولية الطبية لسنة 2025 خطوةً تاريخيةً لبناء نظام صحي يعتمد على الثقة المتبادلة؛ فهو ضمانة لحماية صحة المرضى، ودعم للأطباء في ممارسة مهنتهم بطمأنينة. لكن هذا التشريع ليس نهاية المطاف، بل بداية رحلة إصلاح طويلة، نجاحه لن يُقاس بعدد العقوبات، بل بانخفاض الشكاوى غير المبررة، وتحسُّن جودة الخدمات، واستعادة الثقة بين الطرفين. فالصحة – في نهاية المطاف – ليست رفاهيةً قابلةً للمساومة، بل حقٌّ أساسيٌّ يُكرِّسه القانون ليكون بمنأى عن الصدفة العشوائية أو الإهمال البشري.
يشكل إقرار قانون المسؤولية الطبية رقم 13 لسنة 2025 نقلةً تاريخيةً في النظام الصحي في مصر، باعتباره “عقدًا اجتماعيًا” يضمن حقوق المرضى، ويحمي الأطباء، ويبني جسور الثقة المفقودة من خلال إطار قانوني متوازن. فكيف يحقق هذا القانون أهدافه؟ وما الذي يعنيه للمجتمع؟
في الماضي، كانت الأخطاء الطبية تُعالج بشكل غير منظم، ما أدى إلى معاناة المرضى من أضرار دون تعويض، وتعرض الأطباء لدعاوى قضائية مرهقة حتى في غياب الإهمال. يأتي القانون ليضع حدًا لهذه الفوضى من خلال تحديد المسؤوليات، بوضع معايير واضحة للخطأ الطبي مقابل المضاعفات الطبيعية، بالإضافة إلى ضمان تعويض عادل للمرضى، وتقليل الشكاوى الكيدية ضد الأطباء، مع تشجيع المنشآت الصحية على الالتزام بمعايير السلامة.
وبفضل قانون المسؤولية الطبية، أصبح للمريض لأول مرة صوتٌ مسموع عبر آليات واضحة، منها النص على “الموافقة المستنيرة” التي تعني إلزام الطبيب بتقديم شرح لخطة العلاج من المخاطر إلى البدائل، حتى في الحالات الطارئة. كما ينص القانون على التعويض العادل، حيث يمكن للمتضررين الحصول على تعويض عبر التسوية الودية خلال 60 يومًا، أو رفع دعوى قضائية مدعومة بتقارير خبراء محايدين، بالإضافة إلى منح المريض حق الاطلاع على ملفه الطبي كاملًا، مع حماية بياناته من التسريب إلا لمنع جريمة أو حماية الصحة العامة، على سبيل الحصر.
يوفر القانون أيضًا حماية للأطباء من الشكاوى الكيدية وبيئة عمل آمنة، إذ كانوا يواجهون سابقًا تهديدات بالدعاوى حتى في حال عدم تورطهم في إهمال. وبدلًا من ذلك، يتمتع الأطباء في ظل القانون الجديد بضمانات منها التمييز بين “الخطأ” و”المضاعفة”، إذ لا يُعتبر كل ضررٍ خطأً تقع مسؤوليته على الطبيب، مثل المضاعفات غير المتوقعة – كعدوى المستشفيات رغم التعقيم – والتي تُصنَّف كأمور خارجة عن السيطرة.
كما يوفّر القانون للأطباء حماية من الشكاوى الكيدية، إذ يجب إثبات الخطأ عبر تقارير لجان تضم أطباء وخبراء قانونيين، مع فرض غرامات تصل إلى 30 ألف جنيه على الشكاوى الكاذبة. وينص القانون على إنشاء صندوق تأميني حكومي لتخفيف العبء المالي عن الأطباء والمستشفيات، حيث تُوزع تكاليف التعويضات دون تحميلها لفرد واحد.
ينص القانون أيضًا على رقابة صارمة عبر إنشاء هيئة مستقلة للإشراف الصحي، تتمتع بصلاحيات تفتيش المنشآت دون إشعار مسبق، وإغلاق الأقسام غير الآمنة، وفرض غرامات تصل إلى 2 مليون جنيه على المخالفين. كما يُلزم المستشفيات بالإبلاغ عن الحوادث الطبية الخطيرة لتحليلها ومنع تكرارها، مما يعزز ثقافة التعلم بدلًا من ثقافة اللوم.
ويضع القانون آليات تُسهِّل تقديم الشكاوى، منها الخط الساخن أو الموقع الإلكتروني للجنة العليا للمسؤولية الطبية. حيث تتولى لجان تضم أطباء وخبراء قانونيين التحقيق في الشكوى وإصدار تقرير خلال 30 يومًا، وإذا ثبت الخطأ، يُحدَّد التعويض بناءً على الضرر. كما تتيح التسوية الودية حلولًا إنسانية دون الحاجة للمحاكم، من خلال وساطة محايدة.
وينص القانون على عقوبات هدفها الردع وليس الانتقام. ففي الأخطاء البسيطة تصل الغرامة إلى 100 ألف جنيه أو الحبس سنة. وفي حال وقوع خطأ جسيم، تصل العقوبة إلى غرامة 2 مليون جنيه وحبس حتى 5 سنوات، مثل العمل خارج التخصص. أما تقديم شكوى كيدية فيُعاقَب صاحبها بغرامة تصل إلى 30 ألف جنيه.
رغم هذه المكاسب التشريعية، فإن نجاح القانون مرهون بإطلاق حملات توعية واسعة تُعرِّف المرضى بحقوقهم، والأطباء بالتزاماتهم. كما يجب توفير أجهزة طبية معتمدة، وتدريب الكوادر على البروتوكولات الحديثة، بالإضافة إلى تبسيط تقديم الشكاوى إلكترونيًا، وتقليل المدة الزمنية للتحقيقات إلى 30 يومًا كحد أقصى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.