د. عمرو حسن يكتب | برمجة الجنين والسمنة.. معركة وطن

0

في لحظة فارقة من تاريخ الوطن، حيث تخوض مصر معركتها الشاملة نحو التنمية والبناء بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يطل علينا عدو صامت يتسلل إلى صحتنا في الخفاء لكنه يترك أثرًا عميقًا على حاضرنا ومستقبلنا: السمنة، هذه ليست قضية مظهر خارجي أو مجرد زيادة في الوزن، بل أزمة وطنية تهدد أمننا الصحي وتستنزف رأس المال البشري، الثروة الحقيقية التي تُبنى بها الأمم وتنهض بها الأوطان.

لقد أكد الرئيس السيسي مرارًا أن “بناء الإنسان المصري هو التحدي الأكبر أمام الدولة”، وإذا كان بناء الإنسان يبدأ من حماية صحته، فإن مواجهة السمنة، خاصة بين النساء، تمثل خط الدفاع الأول عن مستقبل الأجيال وصحة المجتمع.

المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021 كشف أرقامًا صادمة تستدعي التدخل العاجل: أكثر من 8 سيدات من كل 10 يعانين من زيادة الوزن أو السمنة، و65% من الفتيات المراهقات (15–19 عامًا) متأثرات بالسمنة، والنسبة ترتفع تدريجيًا لتصل إلى 94% بين السيدات في منتصف العمر.

هذه الأرقام لا تعكس فقط أزمة صحية، بل رسائل إنذار اقتصادية واجتماعية بأن السمنة لم تعد قضية فردية تخص نمط الحياة، بل أصبحت قضية دولة تمس حاضر مصر وقدرتها التنافسية عالميًا ، فالمواطن المرهق صحيًا يعني اقتصادًا أضعف، وإنتاجية أقل، وأعباءً متزايدة على منظومة الصحة.

تتعاظم خطورة السمنة عندما تمتد آثارها إلى الحمل؛ فالمرأة الحامل المصابة بالسمنة تواجه مخاطر مرتفعة للإصابة بسكري الحمل، وارتفاع ضغط الدم، وتسمم الحمل، إلى جانب الحاجة المتزايدة للولادة القيصرية وما يصاحبها من مضاعفات معقدة ، لكن الخطر الأكبر يتجاوز الأم إلى الأجيال القادمة؛ إذ تؤثر السمنة سلبًا على نمو الجنين وتجعله يبدأ حياته محمّلًا بأعباء صحية قد تلازمه لسنوات طويلة، هنا ندرك أن الأزمة ليست شأنًا فرديًا، بل تمس مستقبل مصر وقدرتها على بناء جيل قادر على التعلم والإبداع والإنتاج.

من هنا يبرز مفهوم “برمجة الجنين – Fetal Programming” الذي يوضح الأثر العميق لصحة الأم على الجنين ، فما تتعرض له الأم من تغذية، وزن زائد، ضغوط نفسية، أو التهابات مزمنة يضع “الشفرة الصحية” لجنينها لعقود مقبلة ، وحين تكون بيئة الرحم مثقلة بالدهون والسكريات الزائدة، فإن الجنين يُبرمج بيولوجيًا على أنماط مرضية خطيرة: الميل الموروث لتخزين الدهون، ضعف البنكرياس وزيادة احتمالات الإصابة بالسكري، اضطرابات في نمو القلب والمخ، وتراجع القدرات الذهنية والمعرفية.

إن سمنة الأم اليوم قد تعني جيلًا أضعف غدًا… وما يُزرع في رحم الأم الآن، هو ما سيحصده الوطن في المستقبل.

التجارب الدولية أثبتت أن مواجهة السمنة ممكنة إذا توافرت الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية ، وفي مصر، وضعت الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بناء الإنسان في قلب خططها الوطنية، لكن تحقيق ذلك يتطلب خطة شاملة ترتكز على: سياسات غذائية مدرسية واضحة تضمن توفير وجبات صحية للأطفال، دمج التثقيف الصحي في المناهج الدراسية منذ المراحل الأولى، تقديم برامج دعم للمرأة قبل وأثناء الحمل، وتفعيل دور الإعلام في تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر الوعي بأنماط الحياة الصحية.

إن الاستثمار في صحة المرأة هو استثمار في مستقبل مصر؛ فالطفل السليم اليوم يعني مواطنًا منتجًا قادرًا غدًا على المساهمة في تحقيق رؤية مصر 2030 وبناء الجمهورية الجديدة.

نحن اليوم أمام خيارين حاسمين: إما أن نترك السمنة تستنزف ثروتنا البشرية في صمت، أو نواجهها بوعي مجتمعي وسياسات حاسمة تضع صحة المواطن في صميم الأمن القومي.

فالأم السليمة تعني طفلًا سليمًا… والطفل السليم يعني مواطنًا قادرًا على التعلم والإبداع والإنتاج ، إذا أردنا مصر أقوى وأكثر قدرة على المنافسة عالميًا، فعلينا أن نحسم معركتنا ضد هذا العدو الصامت اليوم، لأن ما نزرعه في رحم الأم اليوم… هو ما ستحصده مصر غدًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.