د.غادة محفوظ تكتب | 30 يونيو.. استعادة وطن

0

في تاريخ الأوطان، تمر لحظات تبدو وكأنها النهاية، لكن الوعي الجمعي الحقيقي يعرف دائمًا أن الأوطان لا تموت، بل تمرض.

وفي مصر، كان عصر الإخوان المسلمين، هو العصر المريض، حين أصيبت الدولة بالارتباك، والمجتمع بالتفكك، والهوية بالتشويه.

■ السويس… شرارة الوعي ومرآة الوطن

لم تكن السويس يومًا مدينة عادية، بل كانت دومًا نقطة انطلاق. وفي 30 يونيو، كانت السويس تسبق الجميع كعادتها.

هناك كنت، لا من موقع المتفرجة، بل من موقع المواجهة. كنت إحدى النساء اللاتي رفضن الاستسلام، وقررن أن يقفن في وجه من أرادوا طمس هوية هذا البلد.

بيتي في برج “درة النصر” تحوّل إلى ساحة توتر، وكتبوا على جدرانه شعارات تكفّرني، وتتهمني بالخيانة. وذات مساء، وقفت مسيرة تهتف باسمي: “غادة محفوظ هنا!”.

كان الصمت رد البعض من الجيران… لكن الجيش لم يصمت. في تلك الليلة، المدرعات المصرية، كانت تحمينا.

وكان يقيني يزداد: مصر لا تُخذل أبناءها.

■ حملة “تمرد”.. من الاحتجاج إلى القرار

في تلك اللحظة الحرجة، لم تكن حملة “تمرد” فعلا احتجاجيًا فقط، بل كانت بمثابة إعلان تمسك بالهوية والدولة المدنية.

شاركت فيها بإيمان، رغم تهديدات التكفير والاتهام، لأنني كنت أرى الحكاية كاملة:

•هناك مشروع يميني متطرف، طائفي، يريد اختطاف مصر.

•وهناك شعب يرفض أن يُختزل في فتوى أو راية حزبية.

•وهناك دولة تضيع بين الخطاب الديني المزيّف والطموحات السلطوية.

30 يونيو لم تكن مجرد حشد، بل كانت صرخة: “لن نسمح”.

■ عصر الإخوان.. زمن التفكك والتفتيت

حين جلس قتلة السادات على منصة الشرف في احتفالات رسمية، رأيت الموت بعيني.

كأن اغتيال السادات يتكرّر، لا برصاص، بل بالتكريم.

وكان المشهد أكثر قسوة حين شعرت بأن الشعب مُراقب، مُهدد، مُدان فقط لأنه يرفض الصمت.

قال المستشار عدلي منصور في خطابه بعد 30 يونيو:

“ما فعله الإخوان في محاولة تفتيت الهوية المصرية، لم يسبقهم إليه أحد”.

وقد صدق.. لقد أرادوا تفتيت مصر وتقسيمها، لكنهم فشلوا.. لأن المثقفين كانوا هنا.

ولأني واحدة منهم، كنت أعرف أن الكلمة قد تساوي رصاصة، إن لم تكن أقوى منها.

■ المرأة المصرية.. من الصفوف الخلفية إلى الصف الأول

حين خاطب الرئيس عبدالفتاح السيسي نساء مصر، شعرنا بأن الوطن ينادينا بأسمائنا.

لم نكن نساءً في الخلف، كنا في الصفوف الأمامية، نحمل الأعلام، ونواجه الحقيقة.

أتذكر حين كنت في طريق “عمرات رابعة”، وصديقاتي طلبن مني أن أقول “مرسي مرسي” أمام التفتيش.

لم يكن اسمًا لرئيس، بل كلمة سرّ للنجاة في زمن الخوف.

وهناك، وجدت مخيمًا من المتشردين، ليس اعتصامًا… بل سوقًا للفوضى.

ورأيت الحزن في عيون الشباب، كأن الوطن يُنتزع من صدورهم.

■ الجيش المصري.. من الشعب وإلى الشعب

حين التحم الجيش مع الشعب في 30 يونيو، لم تكن مصادفة، بل خطوة استباقية عظيمة.

كان الرد على كل مؤامرة، هو: “الشعب والجيش إيد واحدة”.

وقد عبّر عنها المفكر العظيم جمال حمدان حين قال:

“الجيش المصري، هو الشعب، لا فرق، ولا مسافة، ولا جدار. هو جيش الشعب، ومن الشعب، وإلى الشعب”.

لم يكن الجيش مرتزقة، بل من أبنائنا. لم يكن سلاحه منفصلًا عن ضمير الناس، بل متّحدًا معه.

■ الميادين لا تنسى

شاركت في الفيلم الوثائقي “الميادين”، خاصة مشهد “ميدان الأربعين” في السويس، وكان الهدف توثيق اللحظة، لكن الأهم تأكيد أن الميادين تحفظ الوجوه، وتحاسب من أرادوا اختطافها.

أتذكر تلك السيدة المسيحية التي هتفت وسط الناس:

“مناش غيرك يا مصر”.

كانت تلك العبارة البسيطة، هي جوهر اللحظة.

■ ما بعد 30 يونيو… تصحيح المسار

قالت مستشارة الأمن القومي الأمريكي:

“هناك أربعة يحكمون مصر.. مرسي ليس من بينهم”.

وهنا كان السؤال: من يُدير الوطن إذًا؟ وما هو مشروعهم الحقيقي؟

الإجابة جاءت من الشارع، من الشهداء، من الأمهات، من المثقفين، من الجيش، من السويس، من الأربعين، من الشرفات التي لم تغلق.. جاءت يوم 30 يونيو.

لم يكن انقلابًا، بل استردادًا للوعي.

لم يكن غضبًا، بل عودة إلى أصل الحكاية: إن مصر لا تُباع، ولا تُكسر، ولا تُركّع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.