د. قياتي عاشور يكتب | التعلم بالمشاركة المجتمعية وبناء الجمهورية الجديدة

0

في ظل التحديات، التي تواجه التعليم العالي في مصر، يبرز سؤال مهم: كيف يمكن تحويل الجامعات إلى قوة دافعة للتنمية، بدلًا من أن تكون مجرد أماكن لتخريج طلاب ينضمون إلى طوابير البطالة؟ بينما يعمل الأساتذة على تحقيق التوازن بين التدريس والبحث العلمي، يسعى الطلاب إلى اكتساب مهارات عملية تساعدهم على دخول سوق العمل التنافسي. وفي الوقت نفسه، تبحث مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني عن شراكة مع الجامعات، لتوفير بيانات وتحليلات تدعم جهودها في حل المشكلات الاجتماعية.
هنا يأتي نموذج “التعلم بالمشاركة المجتمعية” community-engaged learning كحل واعد، يجمع بين التعليم والبحث وخدمة المجتمع في إطار واحد؛ هذا النموذج، الذي نجح في دول مثل الولايات المتحدة، يعتمد على فكرة بسيطة لكنها فعالة: إشراك الطلاب في مشاريع بحثية تطبيقية تعالج قضايا مجتمعية حقيقية.
لنتخيل معًا كيف يمكن تطبيق هذا النموذج في مصر؛ في إحدى كليات الآداب قسم علم الاجتماع، يقرر أستاذ تحويل مقرر دراسي عن قضايا البيئة إلى مشروع بحثي عملي؛ بدلًا من الاكتفاء بالمحاضرات النظرية، يتعاون الأستاذ مع جهات حكومية معنية بترشيد استهلاك المياه، وهي قضية ملحة في مصر. ومن ثم يتم تحديد مشروع، يهدف إلى تقييم فعالية برنامج حكومي، لتشجيع المواطنين على تغيير عاداتهم في استخدام المياه.
ولا يقتصر دور الطلاب هنا على مجرد تلقي المعلومات، بل يتحولون إلى باحثين، يتلقون تدريبًا على مهارات البحث العلمي، ويدرسون النظريات المتعلقة بسلوكيات استهلاك المياه، ويتعلمون كيفية إجراء المقابلات مع أفراد المجتمع، وكيفية تحليل البيانات باستخدام برامج إحصائية متخصصة.
بعد ذلك، يخرج الطلاب إلى الميدان، لإجراء المقابلات وجمع البيانات، ويعودون إلى قاعات الدراسة لتحليلها واستخلاص النتائج، والتي يتم عرضها في النهاية على ممثلي الجهات الحكومية الشريكة. بهذه الطريقة، لا يقدم الطلاب واجبًا دراسيًا فحسب، بل يقدمون نتائج بحثية، قد تساهم في تحسين سياسات الدولة.
هذا النموذج يحقق فوائد متعددة: الطلاب يكتسبون خبرة عملية قيّمة، والأساتذة يحصلون على بيانات تدعم أبحاثهم، والمجتمع يستفيد من نتائج البحث في تحسين البرامج والسياسات، بذلك تتحول الجامعة إلى محرك حقيقي للتنمية المستدامة.
إن تطبيق هذا النموذج في مصر ليس ترفًا، بل ضرورة ملحة، إنه استثمار في مستقبل الشباب، وفي قدرة الجامعات على المشاركة الفاعلة في بناء الجمهورية الجديدة. إنها دعوة للجامعات، لفتح أبوابها للمجتمع، وللطلاب ليكونوا صانعي تغيير حقيقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.