بين جدران قاعات الدرس، وبينما نمضي في رحلة استكشاف علم الاجتماع، نكشف لطلابنا عن واقع مرير، واقع يزخر بمشكلات اجتماعية متفاقمة. نتحدث عن الفقر، وعن التدهور البيئي المخيف. ولكن، هل نكتفي بسرد هذه الحقائق القاسية، أم أن علينا مسؤولية تتجاوز حدود الكلمات؟ أعتقد اعتقادًا جازمًا أن دورنا كمعلمين لا يقتصر على نقل المعرفة النظرية، بل يمتد ليشمل إعداد جيل جديد، جيل لا يخشى المواجهة، جيل مؤمن بقدرته على التغيير. لذا فيجب أن نغرس في نفوس طلابنا الإيمان بأنهم قادرون على إحداث فرق حقيقي في مجتمعاتهم، وأن أصواتهم مسموعة ومؤثرة.
ولكن، كيف نحقق ذلك؟ كيف نحول المعرفة النظرية إلى قوة دافعة للعمل الإيجابي؟ هنا تكمن أهمية المشاركة المدنية الفعالة؛ إذ يجب ألا نكتفي بتعريف الطلاب بالمشكلات، بل علينا أن ندربهم على كيفية التعبير عن آرائهم، وكيفية إيصال أصواتهم إلى من متخذي القرار.
قد يبدو الأمر بدهيًا، وقد نفترض أن الطلاب سيتعلمون هذه المهارات تلقائيًا بمجرد معرفتهم بالمشكلات. لكن التجربة أثبتت عكس ذلك؛ فالكثير من الطلاب يشعرون بالعجز والإحباط أمام حجم التحديات، وقد ينتهي بهم الأمر إلى الاستسلام لليأس بدلًا من التحرك الإيجابي.
في تجربتي الشخصية، وجدت أن أبسط الأمور قد تحدث فرقًا كبيرًا. تذكرت كيف كنت أشجع طلابي على التواصل المباشر مع المسؤولين، وأعضاء مجلس النواب المنتخبين على التعبير عن آرائهم بكل وضوح وثقة، حتى لو كان ذلك عبر مكالمة هاتفية قصيرة. كنت أبدأ الحديث عن هذا الأمر بشكل عابر في بداية الفصل الدراسي، ثم أعود إليه بعد فترة لأفسح المجال أمام الطلاب للتعمق في دراسة القضايا المطروحة. كنا نتناقش ونتحاور، ونبحث عن حلول، ونفكر في كيفية إيصال أصواتنا إلى المسؤولين. وقبل أن أطلب منهم إجراء المكالمات، كنت أقوم أنا بنفسي بالاتصال بأحد المسؤولين أمامهم، مستخدمًا مكبر الصوت، لأبين لهم أن الأمر ليس بتلك الصعوبة التي يتخيلونها، ثم أترك لهم الحرية لاختيار من يتصلون به، وكيفية صياغة رسالتهم.
كانت النتائج مذهلة؛ فمعظم الطلاب كانوا يعودون من هذه التجربة وقد تغيرت نظرتهم تمامًا. كانوا يشعرون بالفخر والثقة، وكانوا يؤكدون أن الأمر كان أسهل مما توقعوا، والأهم من ذلك، أنهم كانوا يشعرون بأنهم أصبحوا جزءًا من الحل، وأن أصواتهم قد وصلت بالفعل.
في عالم تحكمه الديمقراطية، لا يمكننا أن نتجاهل قوة صوت المواطن. إن تعليم طلابنا كيفية المشاركة الفعالة في هذا النظام هو استثمار في مستقبل أفضل. إنه استثمار في جيل جديد، جيل يؤمن بقوة التغيير، جيل مستعد لتحمل المسؤولية
. لذا، أناشد زملائي المعلمين في كل مكان
أن يتجاوزوا حدود المناهج التقليدية، وأن يتبنوا أساليب تدريس مبتكرة، تشجع الطلاب على المشاركة الفعالة في الحياة المدنية.