د. كريم عادل يكتب | حوكمة الأزمات .. مصر نموذجًا

0

شهد العالم خلال السنوات الأخيرة العديد من الأزمات المالية والاقتصادية والصحية التي أخذت طابعاً مؤسساتياً إقليمياً ثم عالمياً ، الأمر الذي دفع كافة الدول لوضع النظم والتشريعات اللازمة لحوكمة مؤسساتها ، وأصبحت الحوكمة من أهم ركائز العمل الحكومي بوصفها مجموعة من النظم التي تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء ، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى المتوسط والبعيد وتحديد المسؤول والمسؤولية.
فإن الحوكمة تعمل في الأوقات الطبيعية على حماية القرار بأنواع شتى ، وبالتأكيد فإن الدول والجهات والمؤسسات التي طورت هذه المفاهيم في الأوقات الطبيعية ستكون أكثر أماناً في أوقات الأزمات ، والدول والجهات التي تراخت في الأوقات العادية ، ستكون عرضة للقرارات السيئة والمزيد من التأثر في أوقات الأزمات .
ذلك أن إدارة الأزمات تتطلب التخلي عن كثير من الإجراءات الرقابية ، خاصة تلك المزدوجة منها ، وذلك لتقليص فجوة الوقت بين صدور القرار والتنفيذ ، وقد يجد العديد من القرارات السيئة طريقها إلى التنفيذ مع طلبات السرعة في التنفيذ وفقاً للتطورات السريعة التي تشهدها الأزمة ، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة وزيادة حدتها .
فإذا لم يسبق الأزمة تنظيم فاعل متناسباً مع القواعد العامة للحوكمة ، ولم تكن هناك دراسة شاملة وسجلات كافية للمخاطر ومراقبتها ، فإنه من المستحيل – تقريباً – أن يتم تنفيذه في أوقات الأزمات ، وبالتالي فإن احتمالات تعرض المؤسسات لمخاطر القرار الخاطئ ستكون مرتفعة جداً ، واحتمالات إساءة استخدام الأصول كبيرة جداً ، وقد تتفاقم الأزمات ويصعب حلها ، وتنهار المؤسسات بسبب ذلك الإهمال السابق في بناء قواعد الحوكمة .
وفي المقابل … فإن اكتمال بنية الحوكمة قبل الأزمة كفيل بالحماية من الأزمة وتبعاتها ، فالحوكمة تقتضي بناء سجل واضح للمخاطر المتوقعة ، وبناء إجراءات معتمدة لمواجهتها ، فإذا جاء وقت الأزمة تصبح متوقعة وهناك قرارات ونماذج للقرار جاهزة للعمل لحماية الأصول من الاستخدام السيء ، ومن التهور أو التخبط في القرارات .
فالأزمات توفر فرصاً للإصلاح والتطوير ، وتمثل الأزمة اختبار قوي لمكامن القوة والضعف في مواجهة الآثار التي نتجت عن هذه الأزمة stress test ، ومن ذلك قياس درجة المرونة التي يمكن أن تواجه بها الدول الأزمات على المديين القصير والطويل، والدول الأكثر استفادة من هذه التجربة والأكثر تقدماً هي التي لديها بنية مؤسساتية قادرة على التحرك والتفاعل السريع مع الأزمات .
وقد نجحت الدولة المصرية في تقديم نماذج ناجحة في إدارة الأزمات بمختلف أنواعها لوجود بنية أساسية لنظم الحوكمة داخل مؤسسات الدولة ، فقد أثبتت للعالم من خلال إدارتها وتعاملها مع تلك الأزمات الأخيرة قدرتها على مواجهة أشد أنواع الأزمات والتعامل معها بكل احترافية ، فكافة القرارات التي صدرت منذ بداية كل أزمة وعلى مدارها تؤكد مدى قدرة السلطة التنفيذية على التعامل مع المخاطر والأزمات التي تواجه الأفراد بصفة خاصة والدولة بصفة عامة والتصدي لجميع المستجدات، وهو الأمر الذي حاز على إشادة كبرى المؤسسات العالمية وحد من تأثيرات هذه الأزمات على الدولة المصرية .
وعزز من ذلك توافر نظم الحوكمة وسياسات مرنه مسبقة في مؤسسات الدولة المصرية تتميز بالصلابة والمرونة ، حيث الصلابة في القدرة على مواجهة الأزمات بما يحد من أثارها السلبية على ما تحقق من نجاحات وبما يضمن استمرار تحقيق المستهدفات في ظل الأزمة وما بعدها ، والمرونة في سرعة الاستجابة والتعامل مع الأزمة بما يحفظ الاستقرار والتوازن خلال المرحلة المقبلة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.