د. لميس العربي تكتب | الفاتورة الاقتصادية للحرب

0

لازال الاقتصاد العالمي يعاني من آثار جائحة الكورونا، ولم يتخط بعد آثارها السلبية، لتأتي الحرب الروسية الأوكرانية لتدفع بمزيد من الأزمات والأخطار للتفاقم لتهدد وبشده الاقتصاد العالمي، فمع اندلاع الأزمة شهد اقتصاد العالم هزات عنيفة من أزمات الطاقة والغذاء وانهيار سلاسل الإمداد، وأخيرا والأهم دخول العالم في موجة تضخمية عنيفة حيث أسهمت الأزمة بالفعل في ارتفاع أسعار النفط والغاز، وبلغت أسعار القمح أرقام قياسية، فضلا عن المعادن الرئيسة المستخدمة في كل شيء تقريبا، من صناعة السيارات والإلكترونيات إلى أدوات المطبخ والبناء.
ويمكن تعريف ظاهرة التضخم بالارتفاع المستمر لما يطلق عليه “المستوى العام للأسعار” أي أسعار السلع والخدمات التي تهم شريحة واسعة من المواطنين الأمر الذي يؤثر على القوة الشرائية للمواطنين بمعنى انخفاض كمية السلع والخدمات التي یمكن لوحدة من النقود شراؤها في فترة زمنية محددة مقارنة بفترة سابقة. و المعدلات المرتفعة للتضخم آثار سلبية متعددة على الاقتصاد حيث تؤثر سلبا مستويات الاستهلاك، والاستثمار، وعلى القوة الشرائية للعملة المحلية، ومن ثم على النشاط الاقتصادي.والتضخم نوعان رئيسيان: تضخم دفع الطلب ويكون ناتجا عن
ارتفاع مستوى الطلب الكلي أي مستوى الإنفاق داخل مجتمع ما وبقاء الإنتاج عند نفس المستوي، وتضخم دفع النفقة وينتج عن ارتفاع تكلفة الإنتاج لأي مكون يدخل في إنتاج السلع والمواد الخام والوقود مما يدفع المنتجين إلى رفع الأسعار وهو النوع الذي يعاني منه العالم الان مع الارتفاع الكبير والملحوظ في أسعار تكاليف الشحن سواء كان بالبر أو البحر أو الجو، ومع زيادة أسعار النفط ، حيث وصلت معدلات التضخم في الكثير من الأسواق العالمية إلى معدلات غير مسبوقة، ومستويات قياسية مما يعني أزمة حادة في القدرات الشرائية مما يؤكد أن العالم بدأ يستعد وبشكل جدي لمتغيرات قد تبقى معنا مدة طويلة من الزمن مع تفاقم الأزمة الأوكرانية وأثرها على القارة الأوروبية تحديداً وعلى العالم بأسره.

وبالنظر إلى وضع الاقتصاد المصري نجد عدم تأثر مصر بشكل حتى الآن بشكل واضح من الأزمة الروسية الأوكرانية، إلا أنه من المتوقع أن معدل التضخم في مصر سيستمر في الارتفاع خلال الفترة المقبلة، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا وأسعار النفط، لذا لابد من العمل على تعديل التوقعات بشأن التضخم السنوي للعام الحالي. واتخاذ الإجراءات والسياسات اللازمة للسيطرة عليه والحد منه.
ومن الجدير بالذكر أيضا أنه لو استمرت أسعار النفط العالمية بالارتفاع بهذه الوتيرة، وتدعم التضخم للارتفاع في مصر خلال الفترة المقبلة. وفقا لآليات عمل لجنة التسعير التلقائي لأسعار الوقود والتي تعقد كل ثلاثة أشهر فقد تلجأ إلى رفع أسعار الوقود في مصر لا محالة.
وبالفعل قد شهدت مصر خلال الأيام الأخيرة موجة من ارتفاع أسعار العديد من السلع وخاصة الغذائية كالقمح والمكرونه، والزيوت. إلا أنه وبالنظر إلى السياسات الحالية التي تتخذها الحكومة المصرية للسيطرة على الأزمة نجد ان الحكومة قد دعت المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك وعدم تخزين السلع، وأكدت أن الدولة مستمرة في توفير السلع، مع وجود احتياطي استراتيجي، وشددت على ضرورة التعامل بحسم مع أي ممارسات غير مقبولة من بعض “التجار الجشعين”
إلا أنه من المتوقع أن تتخذ الدولة مجموعة من الإجراءات والسياسات قريبا جدا لمعالجة الموقف فقد يتجه البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة خلال الربع الرابع والأخير من العام المالي الحالي في ظل التوقعات بارتفاع التضخم وهو ما تلجأ إليه عادة البنوك المركزية لاحتواء الزيادة من خلال الحد من الائتمان الممنوح ومن ثم خفض مستويات الطلب الكلي.
وأخيرا لابد من العمل علي خفض معدلات التضخم من خلال تبني سياسات طويلة الأمد تعالج جانب العرض والتي من الممكن أن تشمل إجراءات تدخل حكومي مباشر لخفض تكاليف الإنتاج وتحسين الكفاءة والإنتاجية والقدرة التنافسية لزيادة مستويات الإنتاج واحتواء معدلات ارتفاع الأسعار.
* د. لميس العربي، مدرس الاقتصاد بالجامعة المصرية الصينية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.