د.محمد السيد سالم يكتب | المجتمعات وعدوى السلوك

0

السلوك ظاهرة لا يمكن إنكارها، فهي جزء من طبيعتنا الاجتماعية كبشـر لكنها كالنار، يمكن أن تُستخدم‌
للدفء أو للإحراق، فليكن وعينا هو الحاجز الذي يمنع انتشار السلوكيات السلبية، ولنكن نحن مصدر العدوى‌
الإيجابية في محيطنا، فعندنا يقوم شخص بعمل فعل ايجابي او سلبي فيتبعه آخرون بنفس الحدة، ما يحدث هنا‌
ليس مجرد تصرف عفوي، بل ظاهرة نفسية واجتماعية تُعرف باسم ‌‌”عدوى السلوك” .
نحن في عالم تكثر فيه التحديات اليومية، من ضغوط العمل إلى الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، قد يبدو‌
السلوك الإيجابي وكأنه أمر نادر أو رفاهية، إلا أن الأبحاث والمشاهدات الواقعية أثبتت أن السلوك الإيجابي لا‌
يقتصر فقط على الأفراد، بل يمكن أن ينتشـر مثل العدوى، ليخلق بيئة محفزة ويحدث تغييراً ملموساً في‌
المجتمعات‌‌.
في الواقع نعيش الان في عصـر الرقمنة، حيث أصبحت عدوى السلوك تنتقل بسـرعة البرق، فيديوهات‌
الترند، حملات المقاطعة، تحديات تيك توك، كلها أمثلة على كيف يمكن لسلوك فردي أن ينتشر عالمياً خلال‌
ساعات، ويؤثر على قرارات وسلوك ملايين،‌ كما تشير عدوى السلوك الإيجابي إلى قدرة التصـرفات‌
الإيجابية، كالتفاؤل، والتعاون، والاحترام، والانجاز وغيرها، على الانتقال من شخص إلى آخر بطريقة غير‌
مباشرة، لتحدث تأثيراً متسلسلا في محيط الفرد وغالياً يتجاوب الآخرون بسلوك مماثل دون وعي منهم.
كما أثبتت دراسات عديدة في علم النفس الاجتماعي أن السلوكيات تنتقل ضمن المجموعات من خلال النمذجة‌
الاجتماعية، أي تقليد الأفراد لسلوك من حولهم، حيث وجد أن التواجد في بيئة إيجابية يقلل من معدلات التوتر،‌
ويزيد من الإنتاجية ويعزز الروابط الاجتماعية، ويعد الجانب الجميل في هذه الظاهرة هو أنها لا تحتاج إلى‌
موارد مادية أو تعليم خاص، بل تبدأ من أبسط الأمور كلمة طيبة، استماع باهتمام، مساعدة صادقة، أو مجرد‌
تعامل باحترام، فكل شخص قادر على أن يكون ناقلاً إيجابياً، يؤثر في محيطه بشكل يومي.
وسط ما يمر به العالم من تحديات وأزمات عده، يصبح نشـر السلوك الإيجابي أكثر من مجرد خيار إنه‌
مسؤولية جماعية، نحن بحاجة إلى أن نُعيد للإنسانية بساطتها، وإلى أن ندرك أن كل فعل صغير يحمل في‌
طياته طاقة قادرة على التغيير، لابد أن ندرك جميعاً ان عدوى السلوك الإيجابي حقيقة علمية واجتماعية،‌
وليست مجرد أمنيات مثالية، يمكن لكل فرد أن يكون شعلة تنير طريق الآخرين، وتبث فيهم الأمل، بمجرد أن‌
يختار أن يكون إيجابياً، كلها تبدأ من الفرد… لكنها لا تنتهي عنده.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.