د. محمد بغدادي يكتب | هل تعطي كثيرا؟

0

نفتقد لذة العطاء، كلما بادرنا بتطبيقها في الأحوال والظروف وعلى جميع الأشخاص دون وعي بحقيقة الأمر.
فلقد أعطينا اهتماما يفوق الوصف، ويفوق التوقعات والآخرون في نوم عميق، وأعطينا صدق الكلمات ودفئها وعذوبتها، ولم نحصل إلا على الإهمال، وسوء النوايا، وأعطينا ثمنا باهظا لمن أكلوا معنا تحت مسمى العيش والملح، فمات العيش، وأصبح الملح ماء، وأعطينا حبا عظيما، لا يكتب، ولا يرى، ولا يوصف، فكانت النتيجة خذلان مميت، وأعطينا مشاعر تملأ السماوات والأرض بلا مقابل، وبكل أريحية، ولكننا لم نجن شيئا يذكر، وأعطينا أموالا، ولم نحصل على كلمة شكر.
وذهبنا يمينا، فأعطينا أشواقا خالدة مخلدة بين ضلوع القلب، فانتحر القلب، وماتت الأشواق، وأعطينا قوة لغيرنا، حتى يقوى على الحياة، فكنا نحن أوائل من ماتوا في المبارزة، وأعطينا كثيرا، ولم نحصل حتى على القليل، وأعطينا سهرا طوال أيام الشتاء القاصي، فبخلوا بدقيقة شمس في صباح اليوم التالي، وأعطينا نسيما عليلا خاليا والله من أي شوائب، فكانت المفاجئة بها سلسلة من الضربات المبرحة الموجعة، وأعطينا الوفاء الصافي النقي، فحصدنا ضلالا وخيانة، وأعطينا روحنا خالصة لوجه الله، فقاتلنا البشر بروحه.
وأعطينا بأجسادنا، فأشفق الناس علينا، فحصدنا الآهات والويلات التى لم نعهدها من قبل، وأعطينا القليل، الذي لا نملك غيره، فلم نحصل على شيء.
نحن لا نريد شيئا من أحد، ولا أن يعطف علينا أحد، ولكننا كنا صادقين أكثر من اللازم، وأعطينا بلا حسابات، وبلا قيود، وبلا مبررات، وأعطينا بكل ما لدينا من قوة وحب وعطف ومشاعر وأحاسيس وصفاء، وكل ما نملك، ولم نحصد سوى خذلان، وانهيار للأخلاق وقلة تقدير . كن عزيزا مهما أتت الرياح بما لا تشتهي سفنك، كن قويا مهما خانك البشر، فلا أمان لبعض البشر، وكن جبلا جلدا لا تقوى الأعاصير على الاقتراب منه، وكن جوادا للخير مع فقرائك، ولا تنتظر شكرا من أحد، فالمعطي الحقيقي هو الله، وكن صلبا على الأهوال قائدا لا يقدرون عليك في صيف أو شتاء، كن معطاء واختر أناسك جيدا، ولا تعطي سرا إلا لمؤمن صادق مخلص، وأعد حساباتك مرة أخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.