د.محمد بغدادي يكتب | وتعلمنا من الحياة
الحياة مسرعة الخطى بطريقة تدعو للتساؤل فهل نحن في التسعينات ام الألفية أم لا زلنا في الستينات
والسبعينات والثمانينات فالأيام تركض حولنا ونحن ننتظر ولا أعلم ماذا ننتظر . ومع الايام والشهور والسنين
تعلمنا أن الفقير أصبح غنيا وأن الغني بات فقيرا وتعلمنا أن المريض أصبح صحيحا وأن الصحيح بات
مريضا ورأينا كيف أن الشاب أصبح مقبرا وكيف أصبح الشيخ الذي بلغ من العمر عتيا في شمس عمره
المزدهر. ولا تزال البنت صاحبة العشرون من عمرها تفكر في دخول الجامعة ولقد تعلمنا أن لا شيء يدوم لا
عمر يدوم ولا حب يدوم ولا أشخاص دائمون فكل يوم هو في شأن>
فحتى الطقس والمناخ لا يدوما وباتت شمس النهار ليست كسائر الشموس القديمة منذ عشرات السنين
وبات ظلام الليل أشد قسوة فكان قديما ظلمة واحدة أما اليوم فهو في ظلمات ثلاث وتعلمنا أن الطيبون
يرحلون مسرعين لمثواهم الأخير فهم لا يستطيعون العيش في دنيا القهر والكذب والخداع وينطلقوا لربهم
لانه هو الأجدر بهم منا نحن وتعلمنا أن الشر سهل وأن الخير صعب لكنه مع الأيام ينتصر الخيرين ويمكث
الخير في الأرض. تعلمنا أن نترك الجدل حتى لو كنا محقين لكنه أصبح مبدأ لمعظم الناس يتدخلون في ما لا
يعنيهم. تعلمنا أن لكل شيء دواء إلا الموت >
وتعلمنا أن هناك ابتسامات وهناك ضحكات مرتفعة لكنهما يقفا صامتين أمام الحزن والبكاء. وتعلمنا أن
الحياة كر وفر صامتة أحيانا ومتحدثة في أحيانا أخرى ورأينا أن لكل شيء نهاية ورأينا الحب في عيون
الحيوانات مثلما رأيناه في عالم البشر وتعلمنا أن الغريب قد يصوننا لكن ضربات القريب باتت موجعة من
الخلف فقد يحنو علينا أناس لم نراهم في حياتنا وأخرون يعطون لنا ظهورهم رغم أننا أسقيناهم عسلا طوال
سنوات عديدة. تعلمنا أن والدينا كانا يحبوننا بوحي من الله وبطاقة قلبية جبارة لكننا قسينا عليهما بلا شفقة
وتعلمنا أن لكل شيء حرمة لكنها تآكلت مع المدنية الحديثة وتعلمنا أن حب الأبناء لا يلمس قلوبنا فحسب بل
قد أزاحوا القلب وجلسوا مكانه.
رأينا الشدة والقوة والقسوة والجبروت في قلوب البشر فهي ليست كالحجارة بل أشد قسوة. تأملنا الحياة
فوجدناها لا تساوي شيئا بالفعل إنما هي أكذوبة كبيرة وكلمات براقة ومشاعر ليس لها وجود فمن الممكن أن
تقتنع تماما أنك قد ملكت الحياة وفجأة تنظر في يديك لا تجد الماء الذي غمرته بهما من البحر فالحياة سعادة
بدقائق معدودة وفرحة بثواني قليلة وبكاء طوال السنوات فلو نظرت للأحباب الحقيقيين ستجد معظمهم تحت
التراب أما لو نظرنا لباقي الأحياء فسنجد أنهم بلا طعم أو لون أو رائحة.
نقف أمام المرآة وكأننا أطفال في الخامسة من عمرهم لكن الحقيقة عكس ذلك فأطماع الإنسان ستقضي عليه
حتما وقلبه المظلم سيفترسه بلا شفقه ولن يرقد للنهاية سوى الخير والحب والبراءة والهدوء فهؤلاء لن يذهبوا
جفاءا إنما يمكثوا في الأرض