د. محمد علاء يكتب | المدرس والفصل المقلوب وإصلاح التعليم

0

يُطلق مصطلح “الفصل المقلوب”، أو flipped classroom، على أسلوب للتعليم المدمج قائم على اتاحة المادة التدريسية للطالب قبل الذهاب إلى المدرسة من خلال الوسائط التكنولوجية (عادة عن طريق دروس مصورة ومسجلة تتاح للطلبة من خلال الإنترنت)، حتى يتمكن الطالب من مشاهدة المادة العلمية قبل موعد الفصل المدرسي بوقت كاف، ويتم تخصيص غالبية الوقت في الفصل للتعليم النشط القائم علي النقاش والعمل الجماعي وحل المشكلات.
وقد ذهبت بعض الدراسات إلى إمكانية تحسين العملية التعليمية باستخدام هذا الأسلوب من خلال تشجيع مشاركة الطلاب، ولكن غالبية الدراسات ذهبت لضعف الأدلة المؤيدة لتحسن العملية التعليمية باستخدام بالاعتماد على الفصل المقلوب، بينما ذهبت دراسات أخري إلى مناسبته لبعض المواد العلمية مثل الأحياء والرياضيات، بينما لا يعد مناسباً في المواد الأدبية التي تحتاج إلى مناقشة مباشرة بين الطلاب والمدرس. وربما لا تنطبق هذه الملاحظة الأخيرة على الحالة المصرية بالنظر لقلة التواصل بين الطلبة والمدرس في المواد الأدبية بسبب أعداد الطلاب في المدارس الحكومية.
وفي مصر، تظهر أوجه تشابه بين نظام “الفصل المقلوب” وما طرحه وزير التعليم بخصوص الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات وحرية اختيار الطلاب للمادة التعلمية التي يريدون الحصول على المعلومة من خلالها. فقد أكد الوزير على قناعته بحرية الطالب في الاختيار، حيث تتاح للطالب عديداً من المصادر للحصول على المادة التعليمية بعدة طرق من بينها بنك المعرفة المصري، ومن هنا يكون متاحاً للطالب الراغب في دراسة جزء من مقرر الأحياء، عن الديناصورات مثلاً، أن يختار مشاهدة فيديو أو قراء مقال أو دراسة أو غيرها من المصادر المتاحة على بنك المعرفة المصري حول الموضوع دون التقيد بمصدر معين.
ويأتي بعد هذا دور الفصل المدرسي لمناقشة المعلومات التي حصل عليها الطلاب من خلال المصادر التي اطلعوا عليها. وبهذا يكون الحصول على المعلومة سابقاً للمناقشات التي تتم في الفصل، كما أوصي أسلوب “الفصل المقلوب”.
وأري مزايا لا يمكن انكارها لهذا الأسلوب، أولها أنه يمثل فرصة لإتاحة الوقت للمناقشة واكتساب المهارات على حساب التركيز على التلقين، وثانياً أنه يعكس قناعة بتنوع الاهتمامات بين الطلاب وفقاً لتفضيلاتهم وتنوع بيئاتهم المحلية، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على نتائج العملية التعليمية.
ولكن تحليل الإمكانيات المتاحة يرجح صعوبة تطبيق هذا المنهج في المدارس الحكومية، التي تعد المكان الشائع لتعليم الغالبية العظمي من طلبة المدارس في مصر، فالفصل المقلوب بذاته لا يؤدي إلي تحسين العملية التعليمية ما لم يعقب إتاحة المادة العلمية تكنولوجياً مناقشات وأساليب للتعلم النشط في المدرسة.
المشكلة الأخطر التي تواجه استخدام التكنولوجيا في التعليم، بفرض توافر الإمكانيات المادية، هي توسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء، فالثابت في أغلب دول العالم أن العامل الرئيسي في تحديد تحصيل الطلاب هو المستوي التعليمي والاجتماعي لأولياء الأمور، فأولياء الأمور الأكثر تعليماً هم الأقدر على توجيه أبنائهم ودعم دراستهم ورفع سقف طموحاتهم، كما أنهم الأقدر على مساعدة أبناءهم في التعامل مع التكنولوجيا ومن ثم فهم الأقرب للاستفادة من المصادر التكنولوجية للتعليم. أما أولياء الأمور الأقل حظاً من التعليم فهم غالباً غير قادرين على القيام بهذه الأدوار، وفي حال غياب دور توجيهي للمدرسة أو السلطات المحلية أو الوزارة المركزية للتعليم، يكونون هم الطرف الخاسر، أو الأقل استفادة، من استخدام التكنولوجيا التعليمية.
لهذا فقد أصابت وزارة التعليم بوضع المعلم علي قمة أولوياتها الإصلاحية، وإن كان صرف المليارات على أجهزة التابلت ثم فتح باب التطوع للتدريس نتيجة عدم توافر الاعتمادات المالية المناسبة قد أثار حفيظة البعض.
أخيرًا، يجب أن نتعلم من قدرة الدروس الخصوصية على الحفاظ على أهميتها في المراحل التعليمية المختلفة رغم جائحة كورونا وتغيير نظام الامتحانات وتحول وزارة التعليم للاعتماد على المنصات الرقمية. فقد تحولت الدروس الخصوصية بسلاسة ملفتة للتعليم عن بعد مع اغلاق “السناتر”. فقدرة الدروس الخصوصية على المنافسة، بل والاستمرار في جذب الطلاب على حساب التعليم الرسمي، ترجع بالأساس للصلة المباشرة بين المدرس الخصوصي والطالب. فالفصل الخصوصي المقلوب يقوم على تقديم المدرس للحصة التدريسية من خلال فيديو مسجل أو التدريس عبر منصة الكترونية، ولكن تظل العلاقة بين الطالب والمدرس علاقة وثيقة، فالطالب مقتنع أنه مرتبط بالمدرس من خلال الملازم التي يضطر للذهاب إلى شرائها من المكتبات حيث يطرحها المدرس، ويقوم الأخير بتقييم تكليفات الطلاب والاجابة على أسئلتهم عبر منصات رقمية، وإن كان غالباً ما يفعل هذا من خلال مساعديه الذين يعينهم في كثير من الأحيان من بين طلبته السابقين والملتحقين حالياً بالسنوات الأولي في التعليم الجامعي.
أما الفصل الرسمي المقلوب فيظل بالنسبة للطالب بلا مدرس، فالطالب لا يشعر بوجود علاقة مباشرة بالمدرس الذي توفره الوزارة عبر منصاتها الرقمية. وبينما يؤمن الطالب أن مدرسه الخصوصي يحرص على تفوقه لكي يدعم مركزه في سوق الدروس الخصوصية، لا يجد مثل هذا الدافع لدي مدرسه الرسمي سواء في المدرسة أو في الفضاء الالكتروني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.