د. محمد علاء يكتب | مصداقية خطاب الإصلاح الديني

0

تثير مقولة الإصلاح الديني بذاتها عديداً من السجالات، وبصرف النظر عن الجدل الدائر حول تعريف المصطلح، وتوسع البعض في مسعي تأويله بمزاعم المؤامرة والسعي للانقلاب على صحيح الدين، فالثابت أن إصلاح الخطاب الديني عنصر هام لضمان تطبيق أحكام الدين مع اختلاف الأزمان والبيئات، وهو من هذا المنطلق احياء للدين وعلومه وأحكامه واستزاده في فهم معاني نصوصه بما تأتي لنا من العلوم والخبرات على مدار أكثر من 1400 عام منذ رسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

ولكن إحياء علوم الدين وإصلاح الخطاب الديني يجب أن يحظى بمصداقية، ويجب أن تنبع هذه المصداقية اولاً من حاملي لواء الإصلاح، وإلا فقد الخطاب الإصلاحي هدفه الأساسي بتغيير التوجهات العامة وغرس مفاهيم التنوع والاختلاف والعقلانية التي كانت أساساً للنهضة الإسلامية حين كانت أوروبا ترزح تحت وطأة السلطة الكنسية التي رفضت مبادئ إعمال العقل في تفسير النص، واعتمدت النخبوية الدينية والأبوية في التعامل مع رعايا الكنيسة.
وأخطر ما يمكن أن يؤدي إليه فقدان مصداقية دعاة الإصلاح هو رفض مبادئ سليمة لرفض الناطقين بها، على سبيل المثال، المنطق الفطري، بعيداً عن “قال الله وقال الرسول”، يرفض ازعاج الآخرين بمكبرات الصوت أثناء الصلاة، حتى أن المواظبين على قراءة سورة الكهف قبل صلاة الجمعة يستاؤون من مكبرات الصوت في المساجد أثناء تلاوة القرآن قبل الصلاة لأنها تذهب تركيزهم فيما يقرأون، بينما لا يستطيعون تفسير الصوت الخارج من المكبرات إما لأنه يأتي من مسافة بعيدة أو لأنه غير واضح على الإطلاق نتيجة رداءة مكبرات الصوت.
إذن فنحن نتفق على أن مبادئ إعمال العقل من شأنها أن تقرب ممارساتنا الدينية إلى الفطرة السليمة التي يقرها الشرع، ولكن فقدان مصداقية حامل الرسالة التنويرية من شأنه تحويل الرفض الموجه لصاحب الخطاب إلي رفض الرسالة ذاتها، والأخطر أنه يفتح أبواباً للمتطرفين على الجانب الآخر للدعاية لرفض التفكير في دراسة وتطبيق الدين من منظور عصري يتعايش مع احتياجات جديدة فرضها تغير الأحوال وما وصلت إليه العلوم الإنسانية والطبيعية، كما يفتح الباب لخطابات المناهضين للدولة والنظام السياسي بدعوى أن الدولة تحارب الدين وثوابته.
ومن هنا يجب التأكيد على أن مصداقية الخطاب الإصلاحي يجب أن تنبع من المدارس الإسلامية التي أعملت العقل مع ثبات العقيدة، ولا يعني هذا اقصاء تيارات أخري لا تخرج من عباءة دراسات الدين والفقه، وإنما من الضروري أن يبدأ الإصلاح من المؤسسات الدينية في مصر وخارجها بما يفتح الباب لإحياء المدارس الفقهية الإسلامية، والمسيحية كذلك، التي أعملت مبادئ العقلانية في إحياء علوم الدين منذ مئات السنين.
وقد شهدت مصر منذ تسعينيات القرن العشرين فيضاً ممن عُرفوا وقتها بالدعاة الجدد، الذين نجحوا في استقطاب الشباب من خلال خطاب ديني مبسط ارتبط باحتياجات الشباب المعيشية والتحديات التي يواجهونها يومياً في مدارسهم وجامعاتهم ومصايفهم ومناسباتهم العائلية، إلخ. وتميز خطاب هؤلاء الدعاة بالتركيز على الفرد والبعد عن السياسة وعدم الدخول في قضايا فكرية أو فقهية متعمقة.
ورغم الأعداد الغفيرة التي اجتذبها هؤلاء الدعاة بتركيزهم على العقيدة والشعائر وطرح حلول للممارسات اليومية للدين والدنيا، إلا أن الكثير منهم قد فقد مصداقيته لمواقف شخصية أو سياسية، وربما كنتيجة لحملات ممنهجة من جماعات وتنظيمات سلفية وجدت في هؤلاء الدعاة سحباً للبساط من تحت أرجلهم.
وربما يظهر قريباً جيل من الدعاة لا يشبه جيل التسعينيات الذي ركز على الفرد وشئون الحياة اليومية، حيث سيركز هذا الجيل الجديد على مواجهة ما يجده البعض حملات تغريب وتشكيك في الدين، وهو ما سيتلاقى في بعض الحالات مع أعداء الدولة، خاصة مع خلو الإعلام الرسمي من بديل ديني إصلاحي يحظى بالمصداقية لدي الشباب، الأمر الذي سيحول ساحات الفضاء الالكتروني إلى المساحات الرئيسية للاختلاف، وربما لا يجد دعاة الإصلاح خالص النية لله مساحة للعقل وسط أتون صراع محتدم بين طرفي نقيض نخبوي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.