د. مروان سيد حافظ يكتب | تغير المناخ والقانون الدولي

0

شهد العالم في السنوات الأخيرة، زيادة في الكوارث الطبيعية من حيث الحجم، بل أيضا من حيث ما لحق بالبشر من أضرار، نظرا لأن تغير المناخ يعمل على زيادة حدوث كوارث طبيعية، ويتفاقم أثر الكوارث الطبيعية بسبب تزايد عدد سكان المناطق الحضرية باستمرار خلال السنوات الخمسين الأخيرة، وقبل كل شيء في البلدان النامية حيث أدي هذا الانفجار السكاني إلى ظهور أوضاع معيشية خطيرة بالنسبة للناس الذين يبحثون عن مساكن، ولتحسين قدرة الدول على التأهب والاستجابة للكوارث الطبيعية، أقدمت الأمم المتحدة وكذلك الاتحاد الدولي للصليب الأحمر مؤخرا على تحديث استراتيجياتهما ومبادئهما التوجيهية وأدواتهما.
حيث إنه يوجد إطار قانوني دولي لحقوق الإنسان يتألف من إعلانات ومعاهدات محددة ويهدف إلى حماية المتضررين من الكوارث الطبيعية والنزاعات، وبما أن الحماية لا تقتصر على ضمان البقاء على الحياة في حالات الطوارئ، فإن جميع الضمانات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، فضلًا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تساهم في تأمين كرامة المتضررين، ولما كانت انتهاكات حقوق الإنسان تزيد فيما بعد الكوارث وما بعد النزاعات، فإن جميع الأنشطة الإنسانية تستند إلى الإطار القانوني العالمي الرئيسي، ألا وهو الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، التي تتألف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختياريين الملحقين به.
غير أن تجربة الجمعيات الوطنية والبحوث المستقلة تشير إلى أن نتائج الحد من مخاطر الكوارث لا تزال متأخرة على المستوي المجتمعي، وبينما أحرزت بلدان عديدة تقدما جيدا على المستوي القطري في سن ووضع الخطط والهياكل، وتحديد الأدوار فيما يتعلق بالحد من مخاطر الكوارث، فإن هذه التدابير لم تستبع تغييرات ملحوظة في المجتمعات المحلية إلا نادرا.
إن المجتمعات المحلية ليست مطلعة أو ملتزمة أو ممولة بالقدر الكافي للقيام بدور فعال في مجال الحد من المخاطر، ونادرا ما يجري إنفاذ القواعد الرامية إلى منع أشكال السلوك التي تنطوي على خطر (لاسيما في مجال البناء واستعمال الأراضي).
وتعود بعض هذه المشكلات بصورة جزئية على الأقل – إلى الفجوات في التشريع أو في تطبيقه، ويري آخرون أن التشريع ليس السبب، بل يمكن أن يشكل جزءا مهما من الحل. ولكن، وبينما أولي قدر مناسب من الاهتمام لما يجب أن تشمله القوانين الفعلية المتعلقة بالكوارث والحكم بشكل أعم على الصعيد الدولي، أولي قدر أقل بكثير من الاهتمام لكيفية مساهمة مثل هذه القوانين في ترويج أنشطة الحد من مخاطر الكوارث والالتزام على المستوي المجتمعي بمزيد من التحديد.
وإذا كانت الحكومات هي المسؤولة، في نهاية الأمر، عن سن التشريعات، فإن جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر معنية بدورها بهذا الموضوع الذي ينطوي على أهمية إنسانية كبيرة، حيث يمكن لها أن
تقدم وجهة نظر مفيدة للغاية بوصفها تمارس الحد من مخاطر الكوارث على المستوي المجتمعي، وغالبا من تكون لها خبرة في تقديم المشورة لسلطاتها بشأن القانون الدولي الإنساني، ومؤخرا بشأن قوانين وقواعد ومبادئ الاستجابة الدولية للكوارث.
ومن خلال ما تقدم نخلص إلى أن تغير المناخ هو قضية اجتماعية واقتصادية وأمنية وإنسانية، له آثار وخيمة على حقوق الإنسان، بشكل مباشر وغير مباشر على المستوي الفردي والجماعي، وأن آثاره السلبية تتوزع على نحو غير متكافئ، إذ تؤثر تأثيرا مفرطا على أفقر المناطق والبلدان، وتتعدي آثاره الأجيال الحالية لتمس حتى بحقوق الأجيال اللاحقة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية التصدي لتهديدات حقوق الإنسان الناجمة عن تغير المناخ؛ وضرورة اتخاذ تدابير مناسبة تتسق مع الأهداف الشاملة لحقوق الإنسان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.