د. معاذ الروبي يكتب | علم التسويق العصبي
يعتبر علم التسويق العصبي Neuromarketing)) من أحدث أساليب التسويق التي تهدف لفهم دماغ المستهلك ومعرفة كيف تتم آلية اتخاذ قرار الشراء لديه لاستخدامها في الأغراض التجارية. يمكننا القول ببساطة أن عملية استخدام علم الأعصاب والعلوم النفسية العصبية والمعرفية الادراكية للتسويق تسمى بالتسويق العصبي. يمكن أن يتضمن ذلك أيضا أبحاث السوق التي تهدف إلى الكشف عن رغبات ومطالب العملاء (المستهلكين) ودوافعهم وتفضيلاتهم التي لا تستطيع الأساليب البحثية القياسية العادية مثل الاستطلاعات والاستبيانات توفيرها. ومع أن مجال التسويق العصبي جديد نسبيًا إلا أنه من أكثر المجالات سرعة في النمو. هذا يعود إلى التقدم في الأدوات والأجهزة البحثية للدماغ، وأيضا للأهمية الاقتصادية الناجمة عن فهم كيف يفكر الناس ويشعرون ويتصرفون عندما يتعرضون للإعلان أو أشكال أخرى من التسويق والأعمال التجارية.
خلال سنواته الأولى، كان “التسويق العصبي” محتقرًا ومكروهًا من قبل العديد من الأكاديميين بسبب قلة الأبحاث ذات الجودة والمصداقية حوله. ولكن مع الوقت تزايدت الدراسات في هذا المجال مما جعله مُعتَمَداً ومعترفاً به من قبل الكثير من الجامعات المرموقة حول العالم والتي أصبحت تستثمر الكثير في تدريسه وتطويره.
يشمل التسويق العصبي تحليل إعلانات محددة لمنتجات بما تتضمنه من مواد تسويقية، وتغليف، ومحتوى، وجوانب أخرى لفهم كيفية تفاعل العملاء معها دون وعي وبشكل أفضل وأكثر دقة. لتحقيق ذلك، يستخدم علم التسويق العصبي العديد من المعدات والأدوات مثل تخطيط الدماغ ((EEG وتصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) على سبيل المثال، حيث يقوم ممارسو التسويق العصبي بمراقبة نشاط الدماغ خلال العمليات التسويقية المختلفة للوصول إلى استنتاجات وتحليلات تخدم العملية التجارية. أهمية هذه الدراسات أيضا تكمن في فهم ما يفكر به المستهلكون دون وعي، وبالتالي إمكانية التنبؤ بالعديد من النشاطات التجارية المستقبلية وكيفية تعامل العملاء أو الزبائن معها.
للتسويق العصبي العديد من الفوائد للمسوقين لأنه يساعدهم على فهم المستهلكين بشكل أفضل ويحلل ردود الفعل على الرسائل الدعائية التي يرونها ويسمعونها. يمكن أن يساعد أيضًا الشركات في تحديد الرسائل والدعائية والوسائل التسويقية الأكثر فعالية في الوصول إلى المستهلكين المستهدفين. يمكن ذكر العديد من فوائد استخدام التسويق العصبي في الأعمال مثل القدرة على: تشخيص تفضيلات العملاء، تحديد ردود الفعل العاطفية للتسويق، توقع كيفية استجابة العملاء لحملات التسويق المستقبلية، توليد عملاء محتملين جدد والتنبؤ بهم، أيضا يمكنه أن يراقب التغييرات في مواقف العملاء وسلوكهم بمرور الوقت. لذلك يعتبر التسويق العصبي مهم جدا لأنه يوفر فهمًا أكثر شمولية لتفاعل المستهلكين وسلوكهم. ومن خلال فهم كيف يفكر الزبائن ويشعرون ويتصرفون، يمكن للشركات تصميم وتقديم منتجات تلبي احتياجات هؤلاء العملاء بشكل أفضل.
من ناحية أخرى، هناك أمور ملحّة ومأخوذة على هذا العلم، منها هو إمكانية أن يستخدمه البعض لمضاعفة أرباحهم بغض النظر عن المصلحة الحقيقية للمستهلك. لكن المدافعين عنه يقولون بأنه يمكّن المسوّقين من الاستفادة من أكثر الحملات والاستراتيجيات التجارية كفاءة وفعالية، وتقليل فشل العديد من المنتجات. يعتبر المعارضون لهذا العلم بأنه يقوم بالتلاعب باحتياجات الناس ورغباتهم الحقيقية لتناسب اهتمامات ومصالح التسويق. لكن المؤيدون يردون بأن التسويق العصبي لا يتعلق بالتلاعب بالناس، إنما يتعلق الأمر بمعرفة احتياجاتهم ورغباتهم الحقيقية بحيث يمكن للمسوقين استخدام هذه المعلومات لإنشاء منتجات أفضل واستراتيجيات إعلانية أقل إهدارًا للمال والموارد.
ختاماً، يزداد التسويق العصبي شيوعًا أكثر فأكثر خصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث يتعلم الباحثون المزيد حول كيفية تفاعل الدماغ مع المحفزات المختلفة في الإعلانات التجارية. أصبح هناك إدراك متزايد بأن المواد الإعلانية المتعددة يمكن أن يكون لها تأثيرات مختلفة على المستهلكين، اعتمادًا على تفضيلاتهم الفردية وحالاتهم العاطفية. ونظرًا لأن التسويق العصبي يتطور يوما بعد يوم، فمن المحتمل أنه سيتم استخدامه بطريقة أكثر كفاءة وأخلاقية مستقبلاً لتحسين فعالية الإعلان بما يضمن مصلحة المنتج والمستهلك معاً.