د.ناصر الجيزاوي يكتب | الجامعات وبناء ثقافة المساواة
في الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام، يتجدّد النقاش العالمي حول العنف ضد المرأة باعتباره أحد التحديات الاجتماعية الأكثر تأثيرًا على استقرار المجتمعات وقدرتها على التقدم. ورغم أن الجهود المبذولة لمواجهة العنف تتنوع بين تشريعات، وحملات توعية، ومبادرات مجتمعية، فإن للجامعات دورًا محوريًا، بحكم طبيعتها، في التعامل مع هذه القضية من منظور مختلف يقوم على المعرفة، وتشكيل الوعي، وصناعة اتجاهات جديدة داخل المجتمع.
فالجامعة ليست مكانًا للتعليم الأكاديمي فقط، بل بيئة اجتماعية وثقافية يعيش فيها آلاف الشباب والفتيات في مرحلة عمرية حساسة، تتشكل خلالها رؤيتهم للعالم ولأنفسهم وللآخر. ومن هنا تصبح مسؤولية الجامعة مضاعفة، إذ يجب أن تكون مساحة آمنة تمنح الطالبات شعورًا واضحًا بالحماية، وفي الوقت نفسه مساحة فكرية قادرة على مناقشة القضايا الاجتماعية دون حساسية أو خجل حيث أن توفير بيئة آمنة للطلاب والطالبات لا يتحقق بالشعارات، بل بسياسات واضحة وإجراءات فعّالة وآليات حقيقية للإبلاغ والمتابعة، إضافة إلى وحدات دعم نفسي واجتماعي تعمل بجدية في مواجهة المشاكل التي قد تظهر.
وبالإضافة إلى الجانب الوقائي، تملك الجامعات القدرة على تحويل الحديث عن المساواة بين الجنسين من إطار نظري عام إلى ممارسة واقعية. فالمساواة ليست فكرة مجردة، بل تطبيق يومي يبدأ من إتاحة فرص متكافئة في الأنشطة والبرامج والبعثات، ويمتد إلى دعم مشاركة الطالبات في الاتحادات والقيادة الطلابية، وتشجيع حضورهن في البحث العلمي والمشروعات المجتمعية. هذه الممارسات تُجسّد فكرة العدالة وتساهم في بناء وعي الطلاب.
كما تمتلك الجامعات أدوات فريدة، في مقدمتها البحث العلمي، الذي يتيح فهمًا أعمق للعنف ضد المرأة، وتحليلًا لأسبابه وتأثيراته على الصحة النفسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال الدراسات والأبحاث، يمكن للجامعات تقديم توصيات واقعية لصانعي القرار، واقتراح سياسات عامة قائمة على الأدلة، لا على الانطباعات. بذلك تنتقل مساهمة الجامعة من مستوى الخطاب العام إلى مستوى التأثير الحقيقي في السياسات والتنمية.
ولأن مواجهة الظواهر الاجتماعية لا تتم داخل القاعات المغلقة فقط، فإن الجامعات تُعد أيضًا منصة مهمة للحوار. فهي تجمع بين الخبراء والطلاب والفاعلين في المجتمع، وتوفر مساحة للنقاش المفتوح حول قضايا حساسة مثل العنف الأسري، والتحرش، والزواج المبكر، والصحة النفسية، وأدوار النوع الاجتماعي وغيرها حيث أن مثل هذه النقاشات تصنع وعيًا جديدًا، وتُعيد ترتيب العلاقة بين المعرفة والمجتمع، وتمنح الشباب القدرة على فهم القضايا بعمق بعيد عن الأحكام المسبقة.
لذلك يمكنني أن أقول إن دور الجامعة في مناهضة العنف ضد المرأة هو جزء من مسؤوليتها الأخلاقية والعلمية، ودليلاً على قدرتها على التأثير خارج حدودها.