د.نور الشيخ يكتب | حاجة تخوف

0

الخالد جلال ……. يحلق منفردا في فلسفة المسرح
أرى أنني من المحظوظين الذين شاءت أقدارهم في سن مبكرة أن أدخل مسرح خالد جلال بمركز الإبداع منذ ٢٠٠٤ في العمل الإبداعي (هبوط اضطراري)، وما أن خطت قدماي هذا المكان المقدس، حتى أيقنت أمرين، الأول هو أن لدى مصر من الظهير الإبداعي ما يحول بينها وبين الاندثار قرابة المليون سنة ضوئية، والثاني أنني لم أقم بإضاعة عمل مسرحي له حتى الوصول لمحطة “حاجة تخوف”.
العمل الإبداعي حاجة تخوف فعلاً يخوف، فالنفس لا تخاف إلا من نفسها، يبدأ العرض بجملة وجودية هي أن الخوف إذا سكن القلوب … قتل الأحلام، جملة تحوي العديد من التساؤلات الوجودية التي سرعان ما تتساءل وأنت جالس في المسرح، مما أخاف؟ ولماذا أخاف؟ وإلى متى أخاف؟ وكيف لا أصبح أسير الخوف؟ وتزداد الأسئلة مع تعددية المشاهد المتفرقة والمختلفة.

تجسد المسرحية أسباب الخوف المختلفة والمتضمنة عدة أسباب من المائة وأحد عشرة نقيصة أو رزيلة لمارتن زيل، تلك النقائص المختلفة التي تقتل النفس، فيحدثنا الخالد جلال من خلال أبنائه الخريجين أن النفس تموت قبل موت الروح، أن النفس إن لم تستقيم تموت ألف مرة قبل موت الروح والجسد معاً.
الإبداع لا يرتبط بإمكانيات مادية عملاقة ولكنه مرتبط بمحتوى دقيق ومتفرد، محتوى يتغلغل في العمق الإنساني ويؤثر في اللاوعي للمشاهد، محتوى لكل شخصية في العمل يسمح بتجسيد الحالة الوجدانية المراد توصيلها للمشاهد.
أعتقد تمام الاعتقاد والإيمان أن الخالد جلال إذا لم يكن مخرج للروائع المسرحية لأصبح فيلسوف ومفكر ينهض بالإبداع والفنون، يساعد النفس البشرية على الارتقاء والسمو، يحمى الهوية ويحفظها من المسخ والذوبان، يرتقي بالحس الثقافي الجمعي للمجتمع.
روعة فيلسوف المسرح الأستاذ خالد جلال ليست في الإخراج والإشراف فحسب، بل في تحقيق المعادلة الصعبة من محتوى دقيق جدا يمثل الهوية المصرية أو النفسية مع إمكانيات لا تقارن بالمسارح التجارية مع نجوم شابة في بداية الطريق الفني علاوة على الاهتمام بكل التفاصيل الدقيقة ليصل مفهوم الإخلاص والدقة والتفاني والإبداع والهوية والتوحد مع الشخصية لأصغر ممثل وفني بالمسرح، فنرى كم مواهب مصرية تتخرج على يده كل عام لا حصر له.
تفوق الأستاذ خالد جلال على مؤسسي المسرح العالمي بكل أنواعه حتى مسرح رواد السريالية أنطونين أرتو وإدوارد تولوز و هم أصحاب نظريات صدم الحواس، ولكن صدم الحواس عند الخالد جلال هو مواجهه النفس البشرية بحقيقتها العارية، وإرشادها، حتى تتحرر وترتقي وتصوب نفسها لتحافظ على هويتها وإنسانيتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.