د.هند رحومة تكتب | ذكرى حرب أكتوبر

0

تُعتبر حرب أكتوبر 1973 بلا شك واحدة من أهم وأعظم الأحداث التاريخية في العصر الحديث، حيث أفضت إلى تغيير العديد من مفاهيم وأفكار سياسية، واستراتيجية وعسكرية، لم تقتصر آثارها على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل طالت مناطق الصراع في شتى أنحاء العالم.

عقب انتهاء العمليات القتالية، بدأت وسائل الإعلام بتناول تفاصيل حرب 1973 وتقديم تحليلات جديدة حول هذا الحدث الكبير، واتخذت الأقلام منحناً مختلفاً في تناول موضوع الحرب، حيث تم التطرق للجوانب السياسية والعسكرية بالتفصيل، وكانت التوجهات السياسية الأكثر بروزًا منذ البداية، حيث صار الصراع في منطقة الشرق الأوسط يعتمد على وضع جديد، بعدما كان في حالة من الجمود، في ظل رضا القوى العظمى عن استمرار “حالة اللا سلم واللاحرب” السائدة في تلك الفترة.

بعد 1967، بدأت القوات المسلحة المصرية عملية شاملة لإعادة تنظيم وتسليح الجيش المصري، بعد أن فقد الجيش أكثر من 70% من أسلحته ومعداته، كما دمرت الطائرات المصرية في المطارات علي الأرض نتيجة الهجمات التي شنتها القوات الجوية الإسرائيلية، الأمر الذي استدعى فتح جسر جوي جديد بين مصر والاتحاد السوفيتي لنقل الأسلحة والمعدات اللازمة.

فورًا، شرعت القوات المسلحة المصرية في إعادة تنظيم قواتها، وخلال هذه الفترة، حققت مجموعة من الانتصارات التي ساهمت في استعادة الروح المعنوية للمقاتل المصري، التي تأثرت كثيرًا بعد أحداث 1967. من بينها: معركة رأس العش، حين حاولت القوات الإسرائيلية التقدم شرق القناة نحو مدينة بورسعيد؛ للاستيلاء على مدينة بورفؤاد؛ لكن مجموعة صغيرة من قوات الصاعقة المصرية تصدت لهذا التقدم، وأوقفت زحف العدو، مما كان بمثابة نصر عظيم، تذوقه المصريون للمرة الأولى.

وقد أدت القوات الجوية المصرية دورًا حاسمًا خلال الهجمات على العدو، مما أعطى الجيش المصري دفعة جديدة وأثبت قدرته على مواجهة أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي، لا سيما في مجال الطيران الحربي، ثم جاءت الضربة القاسية للبحرية الإسرائيلية بإغراق المدمرة إيلات، التي كانت تُعتبر واحدة من أكبر وحداتهم البحرية. وفي ذلك التوقيت، طلبت القيادة الإسرائيلية من القيادة المصرية السماح لها بانتشال الجثث والغرقى من الإسرائيليين دون تدخل من القوات المصرية.

وأثناء تلك الفترة، بدأت القوات المصرية التدريب على عبور الموانع المائية في أنهار دلتا النيل، بينما كانت إسرائيل تقوم ببناء خط بارليف على الضفة الشرقية لقناة السويس.

استمرت حرب الاستنزاف لفترة تقارب الخمس سنوات، استغلها الجيش المصري لاكتساب خبرات كثيرة، فبدأ في بناء حائط الصواريخ المضاد للطائرات، الذي أصبح بعد أكتوبر 1973 رمزًا لتطور الفكر العسكري في العقائد القتالية على مستوى العالم.

ومع انغماس القوات المصرية في التدريب على عبور القناة، واجه المخططون العسكريون عددًا من التحديات، من ضمنها مشكلة ارتفاع الساتر الترابي، الذي تم تجميعه من نواتج تطهير قاع قناة السويس عليه على الضفة الغربية، ليكون بمثابة عقبة كبيرة أمام المخطط المصري للهجوم، لذا جاءت فكرة المهندس العسكري المقدم باقى يوسف زكي باستخدام المضخات المائية، التي استُخدمت في بناء السد العالي، لهدم ذلك الساتر الترابي، وتشكيل مجموعات قتال خاصة لمهاجمة كل نقطة دفاعية على طول خط بارليف.

لقد أحدث الانتصار المصري في حرب أكتوبر 1973 تغييرات جذرية في العديد من المفاهيم المتعلقة بالفكر العسكري العالمي، وتبقى هذه الحرب مثالًا عظيمًا للقدرات العسكرية، الذي تحقق بفضل جهود القوات المسلحة المصرية وتعاون الشعب المصري العظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.