د. وليد عتلم يكتب | التعليم والحوار الوطني.. رؤى جديدة

0

في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” يذهب عميد الأدب العربي ووزير المعارف الأسبق الدكتور طه حسين إلى أن “التعليم الأولي والإلزامي ركن أساسي من أركان الحياة الديمقراطية الصحيحة، بل هو ركن أساسي من أركان الحياة الاجتماعية”.
عاد ذكرُ “مستقبل الثقافة في مصر” خلال الجلسة الخاصة للجنة التعليم والبحث العلمي التابعة للمحور المجتمعي، لمناقشة مشروع القانون المُحال إلى الحوار الوطني في شأن إنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب من مجلس الوزراء بناءً على توجيه السيد رئيس الجمهورية.
ومن قبل الدعوة للحوار الوطني فإن قضيتي التعليم والصناعة الوطنية كانتا من أكثر القضايا اللتين دائما ما تمنيت أن يدار بشأنهم حوار مجتمعي يناقش القضيتين من كافة الجوانب، خاصة قضية التعليم لأنها قضية مفصلية في عبور الوطن للجمهورية الجديدة، ومع الأسف اختزلنا مشاكل التعليم المصري في قضية الإنفاق والالتزام بالنسبة الدستورية التي أقرها دستور 2014 في المادة (19) التي نصت على أن “تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن ٤٪ من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”. وكذلك قصر ملف التعليم على وزارتي التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي والبحث العالمي. لذلك؛ كانت الحاجة ملحة لنظرة أكثر شمولية لملف التعليم كقضية مجتمعية ذات أولوية.
في هذا السياق جاءت الجلسة الخاصة التي عقدها الحوار الوطني، والتي كانت أقرب لجلسة خبراء، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مقرر المحور المجتمعي بالحوار الوطني، وحضور المنسق العام للحوار الوطني الدكتور ضياء رشوان، وهي من الجلسات التي أعدها من أهم جلسات الحوار إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وبعيداً عما شهدته الجلسة من مناقشات جادة وثرية تجاوزت مشروع القانون المحال لتتناول قضية التعليم من كافة جوانبها، فإنها أيضاً تثير دلالات عدة.
الدلالة الأولى؛ أن الدعوة على هذا النحو لجلسة خاصة في محور التعليم وبناءً على توجيه من السيد رئيس الجمهورية، ومن قبل ذلك إدراج محور التعليم كأحد المحاور الرئيسية للحوار الوطني، إنما يعكس اهتماما مختلفا من الدولة والقيادة السياسية لقضية التعليم. وأن التعليم من أولويات الدولة المصرية بما يحقق الهدفين الأول والرابع من رؤية مصر 2030.
الدلالة الثانية؛ تتعلق بالرؤية الشاملة لقضية التعليم، وأن مشروع القانون المحال للجنة التعليم بالحوار الوطني، ورغم اتفاق واختلاف الحضور حول ماهيته، مواده ونصوصه، غير أن الإجماع كان عاماً حول وجود مجلس أو هيئة أياً ما كان المسمى، يقوم بالدور “المُنَظِّم Regulator ” فيما يتعلق بإقرار الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتعليم واستقرارها، وضبط منظومة التعليم في مصر وإعادة توجيهها للمسار الصحيح وربط التعليم بالبحث العلمي، وأسواق العمل الجديدة، ويعمل على تعميق مفاهيم الجودة في جميع عناصر العملية التعليمية من خلال ربطها فعليا بمعايير قياس الأداء.
الدلالة الثالثة؛ تتعلق بدور المجتمع الأهلي ومدى الإسهام الفاعل الذي يمكن أن يقدمه في هذا السياق، خاصة وأننا نتملك الان مظلة واسعة وفاعلة للعمل الأهلي ممثلة في التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، والذي قدم جهوداً ملموسة في إطار ضمان الحق في الحصول على التعليم، ودعم وتأهيل البنية التحتية والتكنولوجية في عدد كبير من المدارس، وغيرها من الجهود المتعلقة بالتعليم.
الدلالة الرابعة؛ تتعلق بآلية الحوار الوطني وفاعليتها من جانب، وعملية التشريع وجودتها من جانب آخر. من المستقر سياسياً ودستورياً أن وظيفة التشريع منوط بها البرلمان كمؤسسة تمثيلية في المقام الأول، غير أن ما شهدناه من مداخلات وتعديلات على مشروع القانون المقترح في جلسة الحوار الوطني الخاصة تعكس مدى أهمية المشاركة المجتمعية ـ ولو على مستوى الخبراء ـ في صياغة التشريعات، ومدى افتقاد البرلمان المصري لتفعيل آلية جلسات الاستماع العامة كجزء أصيل من عمل البرلمان ولجانه النوعية.
هنا تبرز فاعلية الحوار الوطني وأهميته ومدى الإسهام الكبير الذي يمكن أن يقدمه فيما يتعلق بعديد التشريعات مثل قانون المحليات، قانون الأحزاب السياسية، وقانون مباشرة الحياة السياسية، وكذلك قانون المجلس الأعلى للتعليم والتدريب.
لذلك أدعو الأمانة الفنية للحوار الوطني بقيادة الكفء المستشار محمود فوزي إلى إرسال مضابط تلك الجلسات التي تناولت عديد القوانين والتشريعات إلى البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، ولجانهم النوعية بما يعزز المشاركة المجتمعية في أعمال التشريع، وهو الهدف الأول الذي حققه الحوار الوطني ليس فقط بتوسيع قاعدة المشاركة لكن أيضاً فاعلية تلك المشاركة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.