د. وليد عتلم يكتب | الثمار الأولى للحوار الوطني

0

قبل انتهاء مدة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات في 17 يناير 2024 فاجئنا مجلس أمناء الحوار الوطني بمقترح يقضي بمد واستمرار الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات والاستفتاءات وفقاً لنظام قاض لكل صندوق. ثم كانت الاستجابة الرئاسية لمقترح مجلس أمناء الحوار الوطني، وهي استجابة تحمل دلالات عدة.
الدلالة الأولى؛ أن الاستجابة الرئاسية لمقترح مجلس أمناء الحوار الوطني هي تأكيد على دور آلية الحوار الوطني، وجديتها، على عكس ما زعم البعض بشكليتها وعدم فاعليتها، ليكون المقترح هو الثمرة الأولى لآلية الحوار الوطني، والتي لن تكون الأخيرة.
الدلالة الثانية؛ أن المقترح على هذا النحو واستجابة القيادة السياسية له، يعكس توجه الدولة المصرية ــ ومن خلال مد الإشراف القضائي على كافة مراحل الانتخابات ــ نحو كفالة الحقوق السياسية وصيانتها بنصوص دستورية وقانونية من خلال ضمان انتخابات حرة معبرة عن آراء جميع الناخبين، وهي بذلك أيضًا تعمل على تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ومبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد.
الدلالة الثالثة؛ تتمثل في قنوات الاتصال والتواصل المفتوحة، وقياس الرأي العام ما بين الشعب والقيادة؛ ويجب الإقرار أن المدرك الشعبي المصري يرى أن الإشراف القضائي الكامل هو ضمانة راسخة لشفافية العملية الانتخابية بكافة تفاصيلها، وأن التجارب الانتخابية في غير الإشراف القضائي جميعها تحمل انطباعات وذكريات سلبية لدى المواطن العادي، إذ أن إسناد مهمة الإشراف على العملية الانتخابيـة إلـى إحـدى السـلطات بالدولـة التـي يكفـل الدسـتور حيادهـا واسـتقلالها عـن بـاقي السـلطات فـي الدولـة و المجسـدة فـي السـلطة القضـائية، و هـو مـا يـوفر مناخـا ملائمـا لإجـراء العمليـة فـي جـو تسـوده أجـواء الثقـة المتبادلـة بـين كافـة الأطـراف تعكـس بـلا شـك الثقـة فـي سـلامة و نزاهـة العملية الانتخابية وجديتها. من هنا كان مقترح الحوار الوطني وكانت الاستجابة الرئاسية، وهو دليل دامغ على أن الدولة المصرية لا تخشى انتخابات حقيقية تعكس مدى جودة الديمقراطية.
مصر كانت من أوائل الدول التي أقرت الإشراف القضائي على عملية الانتخاب؛ حيث أدرك المشرع المصري ومنذ وقت مبكر أهمية إسناد مهمة الإشراف على العملية الانتخابية إلى القضاء، حيث ترجع عديد الدراسات بدايات هذا الإشراف إلى الإرهاصات الأولى للحياة النيابية في مصر مع مجلس شورى النواب 1866، غير أن البداية الحقيقية للإشراف القضائي في مصر كانت مع قانون الانتخابات رقم 11 لسنة 1923، المعدل بالقانون 4 لسنة 1924 والذي نصت المادة 45 منه على ” مادة 45- تناط إدارة الانتخاب في كل دائرة عامة أو فرعية بلجنة تؤلف من قاض أو عضو نيابة أو أحد موظفي الحكومة يعينه وزير الحقانية وتكون له الرئاسة ومن مندوب من قبل وزير الداخلية ومن ثلاثة ناخبين ليسوا مرشحين”. لذلك فالتجربة المصرية في ذلك السياق، هي تجربة رائدة متقدمة، وسباقة.
فالتنظيم التشريعي لعملية الإشراف القضائي على الانتخابات في مصر شهد ثلاث مراحل هامة: المرحلة الأولى اقتصر الإشراف القضائي فيها على اللجان العامة فقط. بينما المرحلة الثانية توسع فيها نطاق الإشراف القضائي ليشمل اللجان الفرعية أيضاً. أما المرحلة الثالثة فقد اقترنت بصدور القانون رقم 167 لسنة 2000 والذي أقر الإشراف القضائي الكامل على جميع مراحل الانتخابات.
لذلك؛ فمقترح مد الإشراف القضائي على الانتخابات، وما تبعه من استجابة رئاسية جاء ليكمل تاريخ طويل من التنظيم التشريعي والقانوني للانتخاب في مصر من جانب، ومن جانب آخر أجهض عديد المخططات التي كانت تتحفز لمهاجمة وتشويه المناسبات الانتخابية القادمة مع انتهاء مدة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات في 17 يناير 2024.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.