د. وليد عتلم يكتب | ضجيج إسرائيلي بلا طحن

0

مصر وجنوب أفريقيا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي
أمام الأدلة والقرائن الدامغة على الجرائم الإسرائيلية التي قدمها فريق الادعاء الجنوب أفريقي في محكمة العدل الدولية؛ لم تجد إسرائيل غير هذه الادعاءات والردود الواهية المنافية للمنطق، والمخالفة للواقع. والتي ساقها فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية عن أن مصر “مسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح”، وللمرة الأولى تخسر إسرائيل معركة الرأي العام العالمي، وهو ما يوضح مدى فجاجة العدوان ووحشيته، ومدى الزور والبهتان.
منذ نكبة 48، وعلى مدار 75 عاماً اعتدنا على مثل هذه المزاعم والأكاذيب الإسرائيلية، وهي مزاعم وأكاذيب مردود عليها، بل وتم الرد عليها عمليا وفعليا منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر.
أولاً: من المعروف أن السيادة المصرية تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، في المقابل الجانب الآخر من المعبر في غزة يخضع فعليا لسلطة الاحتلال، بالتالي إسرائيل فعلياً هي من تتحكم في المعبر من الجانب الفلسطيني، وهي من تعرقل دخول المساعدات، لاشتراطها دخول المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم الذي يربط القطاع بالأراضي الفلسطينية، حيث تشترط سلطات الاحتلال تفتيش شاحنات المساعدات، وبالتالي بطء وتيرة دخول المساعدات، ناهيك عن إغلاق إسرائيل لكافة المعابر الأخرى مع القطاع غير معبري رفح وصلاح الدين لتشديد الحصار على القطاع المنكوب.
ثم إذا كانت مصر هي من تعرقل دخول المساعدات؛ فكيف تفسر لنا سلطات الاحتلال عبور ودخول أكثر من 6500 شاحنة، منهم أكثر من 4000 شاحنة مساعدات مقدمة من مصر من مختلف القطاعات رسميا وشعبيا.
ثانياً: هناك قرار مجلس الأمن رقم 2720، والذي يدعو إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح الفوري بدخول وايصال المساعدات الإنسانية للقطاع بشكل مستدام وآمن عبر آلية للأمم المتحدة بالتشاور مع جميع الأطراف المعنية، لكن هذا القرار كغيره من قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية ضربت بها إسرائيل عرض الحائط، وأعلنت رفضها لهذا القرار فور صدوره، إذن من هنا الذي يعرقل دخول المساعدات لغزة؟!!
هي مائة يوم من العدوان بمثابة الاختبار والتحدي الأكبر للإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، رسب الكثير في هذا الاختبار، نجحت فيه مصر سياسيا وإغاثيا. وجنوب أفريقيا قضائياً.
مصرياً؛ وعلى المستوى الإغاثي فالجميع يعلم ماذا فعلت وتفعل مصر على مدار الساعة ومنذ الساعات الأولى للعدوان في السابع من أكتوبر الماضي. وعلى المستوى السياسي استند التوجه المصري تجاه الأزمة إلى محددين رئيسيين هما: حماية مقدرات الأمن القومي المصري، وصون السيادة الوطنية المصرية، والعمل على حماية حقوق الشعب الفلسطيني من خلال التأكيد على رفض العدوان وإدانته، والمطالبة بالوقف الفوري للأعمال العدائية الإسرائيلية تجاه القطاع، ووقف جميع الممارسات التي من شانها دفع الفلسطينيين للتهجير القسري بما يعني تصفية القضية على حساب دول الجوار، والعمل على ضمان الدخول الآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية للقطاع.
هنا الموقف المصري يستند إلى منطلقات وثوابت تاريخية راسخة، تتمثل في الارتباط المصري التاريخي بالقضية الفلسطينية، انطلاقا من أهمية فلسطين الاستراتيجية والتاريخية لمصر، وبما تمثله من بُعد استراتيجي للأمن القومي المصري. لذلك؛ فالقضية الفلسطينية وطوال 75 عاما هي محور رئيسي في السياسة والدبلوماسية المصرية. وهو ما تجلى بشكل واضح في الجهود المصرية التي أسفرت عن الهدنة التي تم إقرارها بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، هنا مصر جنت ثمار سياسة خارجية عقلانية رشيدة ومستقلة، تم اتباعها منذ يونيو 2014، مكنت الدولة المصرية من امتلاك علاقات متوازنة بكافة القوى الإقليمية والدولية خارج سياق حالة الاستقطاب الدولي الواقعة الان، وكما هي دائما مثلت مصر صوت العقل، ونقطة الارتكاز الرئيسية فيما يتعلق بالأمن والسلم في المنطقة.
على مستوى جنوب أفريقيا؛ استغلت جنوب أفريقيا خبراتها التاريخية والمتراكمة في ملف العنصرية والإبادة الجماعية، وهي صاحبة أطول حكم عنصري إلى جانب فلسطين، امتد من 1948 حتى 1994. و إسرائيل نقلت واستنبطت تجربة العنصرية السابقة في جنوب أفريقيا بحذافيرها “أبارتهايد إسرائيلي في فلسطين”، واليوم أحفاد الآباء الأوائل لحركة التحرر الوطني في مواجهة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا يعيدون ما بدأه الأجداد من نضال ضد العنصرية بكافة أشكالها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.