لكل حرب نهاية؛ فما هي نهاية العدوان على غزة، في كتاب “حرب بلا نهاية” لعالم الاقتصاد السياسي البريطاني ديفيد كين، يذهب إلى أن “الحالات التي لم يعد فيها كسب الحرب غاية مطلوبة لذاتها، بل كثيرا ما وفرت الحرب غطاء لمخططات سياسية واقتصادية أوسع، تغدو فيها تقوية العدو إما عملية غير ذات صلة أو نسقاً إيجابياً مفيداً”. إلى أين يذهب العدوان على غزة؟ وعلى ماذا سينتهي؟، ما هو مصير القطاع المنكوب؟ ما هو مصير حركة المقاومة حماس؟ إلى ماذا ستنتهي القمة العربية اليوم في الرياض؟ العديد والعديد من الأسئلة والسيناريوهات تدور حول هذا العدوان الغاشم.
غربيا؛ اجتهدت عديد مراكز الفكر والأبحاث في وضع تقديرات الموقف والسيناريوهات لمسار العدوان على عزة، وما بعد العدوان، تحت عنوان ماذا يحدث لغزة بعد الحرب؟ وضعت مجلة فورين بوليسي Foreign Policy، مجموعة من السيناريوهات أطلقت عليها وصف القاتمة لسكان القطاع الفلسطينيين، لكن التساؤل الأهم الذي تناوله مقال الفورين بوليسي هل تستطيع إسرائيل فعلاً تدمير حماس؟؛ فالهدف العام المعلن للعدوان الإسرائيلي على غزة هو القضاء على حماس، إسرائيل أعلنت أنها تستهدف القضاء على كل أثر لحماس، “ليس فقط قطع رأس حماس تكتيكياً، بل أيضاً سحق قدرتها على امتلاك أي قدرات عسكرية أو قضائية في غزة” بغض النظر عما إذا كانوا جزءاً من الجناح العسكري للجماعة. لكن واقع سير العمليات العسكرية على الأرض حتى الان لا يشير إلى نجاح تحقيق الهدف الإسرائيلي.
وبشكل عام؛ جل وجميع التحليلات الغربية تتناول مستقبل القطاع بعد العدوان في ضوء نجاح إسرائيل في القضاء على حماس وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الان.
لكن الفورين بوليسي في الإجابة على هذا السؤال الحاسم في مسار العدوان، بل ومستقبل قطاع غزة لم تعط إجابة واضحة، بل إن الشك حول قدرة إسرائيل على القضاء على حماس نهائيا هو موضع شك كبير أيضا من الداخل الإسرائيلي.
على المستوى السياسي؛ وفيما يتعلق بإدارة القطاع ما بعد حماس، فهناك تباين أيضاً؛ التقديرات الغربية تشير إلى تحالف محتمل من الدول العربية، والتي تشعر إسرائيل أنها تستطيع العمل معها، والتي يمكن أن تكون بمثابة قوة مؤقتة لملء الفراغ الأمني والحكم في غزة بدعم من إسرائيل. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
سيناريوهات أخرى تحدثت عن المرشح الأكثر وضوحاً لملء الفراغ وهو السلطة الفلسطينية، التي تدير الضفة الغربية. لكن وفقا لــ فورين بوليسي Foreign Policy،
ليس هذا السيناريو الأفضل. وذلك للأسباب التالية؛ أن حماس قامت بطرد السلطة الفلسطينية من غزة في عام 2007، ومن غير المرجح أن تتبنى السلطة فكرة العودة في أعقاب حملة عسكرية إسرائيلية عقابية لإسقاط منافستها. “إنهم لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يأتون على متن دبابة إسرائيلية ويستولون على قطاع غزة”.
ثم هناك مسألة الشرعية. ولم تعقد السلطة الفلسطينية انتخابات رئاسية منذ عام 2005، عندما تم انتخاب محمود عباس البالغ من العمر 87 عامًا لأول مرة. وترى الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية غير فعالة، ثم تشير الفورين بوليسي إلى إشكالية القدرة. وتكافح السلطة الفلسطينية لحماية المدنيين من هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وقد وصلت ميزانياتها إلى نقطة الانهيار مع قيام إسرائيل بحجب ملايين الدولارات من عائدات الضرائب التي تجمعها من الفلسطينيين.
ذات المعنى أشار إليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تصريحات له في 31 أكتوبر، وهي الأكثر تحديدا التي تم تقديمها حتى الآن، لكنها أشارت فقط إلى أن الولايات المتحدة ودول أخرى تنظر في “مجموعة متنوعة من البدائل والسيناريوهات المحتملة”. واعتبر أن “السلطة الفلسطينية الفعالة والمنشطة” يجب أن تحكم غزة في نهاية المطاف، لكنه لم يقدم أي أدلة حول كيفية جعل السلطة الفلسطينية فعالة أو التغلب على المعارضة الإسرائيلية. ولم يقترح إلا بشكل غامض أنه في هذه الأثناء هناك ترتيبات مؤقتة أخرى قد تشمل عدداً من البلدان الأخرى في المنطقة. وقد يشمل ذلك وكالات دولية من شأنها أن تساعد في توفير الأمن والحكم”. ومن بين المرشحين لهذا الدور المؤقت الدول العربية والأمم المتحدة، بدعم من منظمات دولية حكومية وغير حكومية أخر.
في سياق مغاير رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعد مرور شهر على العدوان على غزة ألمح إلى سيناريو مغاير خلافا لما أعلنته إسرائيل في بداية العدوان، حيث أشار نتنياهو إلى أن إسرائيل ستتحمل “المسؤولية الأمنية” في غزة إلى أجل غير مسمى، في سيناريو يحتفظ فيه الجيش الإسرائيلي بوجود قصير المدى على الأقل على الأرض لمنع أي بقايا لحماس من إعادة تشكيل نفسها، وكذلك لتحقيق استقرار الوضع المباشر. ويضع القادة العسكريون الإسرائيليون بالفعل الأساس لسيناريو مؤقت يشرفون فيه على الأمن والحياة المدنية في القطاع ويدرسون بالفعل نقل أفراد من “منسقي الأنشطة الحكومية في الأراضي المحتلة”، وهي وحدة عسكرية تتعامل مع القضايا المدنية في الضفة الغربية، حيث تقوم هذه الوحدة بأدوار مؤقتة في غزة، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية. مع الاستعانة بالمدنيين من مواطني غزة من خارج حماس في مختلف المجالات.
أيا ما كان السيناريو الذي سوف يتحقق في النهاية، تبقى الحقيقة الواضحة أن أي سيناريو سيأتي على حساب الاحتياجات الإنسانية واحتياجات إعادة الإعمار هائلة، فلا سبيل لتحقيق الهدف العسكري الإسرائيلي إلا من خلال تسوية أجزاء كبيرة من غزة بالأرض على جثث الأطفال والنساء والعجائز العزل من المدنيين. ويبقى الحد الفاصل لأي سيناريو ما بعد العدوان، ما أقره الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن “تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل هو أمر خارج عن نطاق الإمكانية. ولن يحدث ذلك بأي حال من الأحوال على حساب مصر. وإن كانت التداعيات والدوافع الإنسانية عند مصر والمصريين لها تقدير أخر تتحمله مصر عن طيب خاطر.
