راجي عامر يكتب | احذر “التنوير” الزائف

0

يفضل البعض أن يستغل المواقع الاجتماعية في إثارة الجدل عبر نشر صورتين للمقارنة بينها ثم الاستناد إلى هذه المقارنة للوصول إلى استنتاج فاسد لا يرتبط بموضوع المقارنة ذاتها !
فتجد مثلًا من ينشر صور لطبيبات أو ممرضات في الأربعينات من القرن الماضي، وقد ارتدين من الملابس ما كان دارجًا في هذه الحقبة الزمنية سواء التنورة القصيرة أو غيرها ثم يقارنها بصور معاصرة لطبيبات أو ممرضات مصريات وقد ارتدين ملابس طويلة أو فضفاضة أو وضعن على رؤوسن الحجاب شأنهن في ذلك حال معظم الفتيات والنساء في مصر دونما اقتصار على العاملات في مهنة الطب تحديدًا.
أصحاب هذه المقارنات يرغبون في التدليل -من خلال وضع هذه الصور في مقارنة- على أن الفارق في حال المستشفيات قديمًا والآن هو “ملابس النساء” فحسب، وكأن ارتداء “التنورة القصيرة” كان السر في نظافة هذه المستشفيات أو توفر الأدوية والمعدات بها أو كفاءة العنصر البشري أو مواكبة نظم التعليم في المدارس والجامعات المصرية لأحدث ما توصل إليه العلم !
يتجاهل هؤلاء السبب الحقيقي وراء انهيار أوضاع بعض المستشفيات، وسوء جودة الخدمة الطبية المقدمة بها لذا يرغبون في وضع الحل الأسهل الذي يُرضى قطاعات من جمهور المواقع الاجتماعية وهو ببساطة “ملابس النساء”.
في عصور الإسلام الأولى لم تمنع الملابس النساء من ممارسة مهنة الطب مثلما لم تساعد الملابس طبيبات الدول الغربية في التفوق العلمي أو في أن تصبح مستشفياتهم هي الأفضل.
للأسف مروجو هذه الخطابات عادة من أصحاب التوجه الليبرالي الذي يُفترض بهم الدفاع عن الحريات لكنهم يتجاهلون عن عمد حرية النساء في اختيار ما يروق لهن من ملابس، وكأنهن صدى صوت معاكس للخطاب المتشدد الذي ردد لسنوات عبارة (يزداد الغلاء ما لم تتحجب النساء) باعتبار أن قطعة القماش هي التي ستعمل على إدارة السياسة النقدية والمالية للدولة أو ستعمل على جذب الاستثمارات أو إيقاف الحروب أو الأوبئة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي !
إن أصحاب هذه الخطابات التي ترى –حتى وإن لم تصرح- في المرأة المحجبة أقل شأنًا أو تحضرًا من مثيلتها غير المحجبة يمارسون نفس التسلط على النساء الذي يمارسه أصحاب التيار المتشدد تجاه النساء حينما يطلقون أوصاف مهينة تجاه غير المحجبات للتقليل من شأنهن أو وضعهن في خانة الأقل تدينًا أو الأقل أخلاقًا.
إنه صدى الصوت المعاكس.. بين تيارين كلاهما يحتقر النساء ويرغب في التسلط عليهن.. حتى وإذا وصف أحدهم نفسه بالتنويري فهو لن يتردد في تزييف الحقيقة من خلال تجاهل أسباب المشكلة وإلصاقها ببساطة في ملابس النساء.
هذا الصدى سوف نسمعه قريبًا على المواقع الاجتماعية مثلما اعتدنا كل عام مع بداية موسم الصيف.. بين مؤيدو “البكيني” وأتباع “البوركيني”.. ستجد الأقلام قد رُفعت، والتدوينات قد كتبت، بين فريقين أحدهما يرغب في القضاء على الآخر ونفيه ومنعه من ممارسه حقه في الاختيار، فيما لا يوجد بينهما من يدافع عن حق النساء في التعبير عن هويتهن الثقافية، والاجتماعية، وعاداتهن، وتقاليدهن، من خلال ارتداء ما يروق لهن من ملابس دونما تسلط أو وصاية من أحد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.