رامز الشيشي يكتب | أميركا الأوكرانية وأميركا التايوانية
مع استمرار تفاعلات الحرب الروسية الأوكرانية بتداعياتها التي لا تزال قائمة، يُثار بالتوازي مع تلك الاستمرارية في شمال القارة الأطلسية تساؤلًا يتعلق حول قدرة أميركا على الدخول في حرب شرق القارة الآسيوية دفاعًا عن “تايوان”؛ في حالة إعلان جيش الصين الشعبي الحرب ضد الجزيرة.. فالحرب هي عمل من أعمال العنف.
وفي هذا السياق، فإنه ليس غريبًا أن تتزايد أهمية ذلك التساؤل لاسيما بعد تصريح الرئيس بايدن “بأن واشنطن سترد عسكريًا في حال قامت بكين بتتدخل عسكري في تايبيه”، وذلك أثناء زيارته للحلفاء الآسيويين منتصف مايو الماضي. وبالتوازي مع ذلك، هددت الصين أميركا بأنها سترد عسكريًا في حال أقدمت رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” على زيارة الجزيرة، فلا تزال تايوان القضية الأكثر إثارة للجدل في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وعلاوةً على ذلك، يتم تحديد تايوان بشكل روتيني باعتباره الموقع الأكثر معقوليةً للمواجهة العسكرية بين بكين وواشنطن.
وبالنسبة للرئيس شي والنُخب الصينية في المكتب السياسي، فإن تايوان تلوح في الأفق بشكل كبير ويتم تحديدها بشكل بارز على أنها مصلحة وطنية “أساسية” للصين، حيث أكدَّ على أن إعادة توحيد الصين بالكامل مهمة تاريخية والتزام لا يتزعزع للحزب الشيوعي الصيني” وأنه “لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن العزيمة، إرادة الشعب الصيني وقدرته على الدفاع عن سيادته الوطنية وسلامته الإقليمية”.
ومن جانبنا، فإن التساؤل الثائر حول قدرة أميركا على مواجهة الصين وروسيا عسكريًا معًا يشوبه حالة من التجاهل التام للتوازنات الجيواستراتيجية ولنمط العلاقات القائمة بين سياسات القوى العظمى المتغيرة، وذلك خلافًا للرؤية الغربية التي لا تزال ترى بأن الولايات المتحدة لا تزال القوة الرائدة في العالم ذات المصالح العالمية، وأنه ينبغي على واشنطن وحلفائها تطوير استراتيجية دفاعية قادرة على ردع روسيا والصين في الوقت نفسه، وهزيمتهما إذا لزم الأمر وهنا تكمن الإشكالية. فأميركا الأوكرانية تحظى بدعم أوروبي قوي ضد روسيا وتمثل ذلك جليًا في العقوبات الاقتصادية الغربية المنسقة ضد روسيا، والدعم العسكري اللامتناهي لكييف.
وعلى العكس من ذلك، قد تجد أميركا التايوانية نفسها وحيدة في حال دخولها في حرب مع الصين بدون دعم حقيقي من الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يبحث بلا كللٍ عن بدائل لمصادر الطاقة الروسية، بجانب حجم التعاون الاقتصادي الأوروبي الصيني، وما تمثله الصين للاتحاد الأوروبي من كونها الشريك التجاري الأول له. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تعزز الإدراك الأوروبي بأن المستفيد من الحرب الأوكرانية هي أميركا وتحديدًا بعد تساوي الدولار مع اليورو في أدنى مستوى له منذ عقدين، وإن كان هذا الإدراك قد تعزز قبل اندلاع الحرب الأوكرانية وبشكلٍ بارز بعد توقيع اتفاقية أوكوس ١٥ سبتمبر الماضي ٢٠٢١؛ لاحتواء الصين في منقطة الاندوباسيفيك.
وفي سياق آخر، فإن تايوان على عكس أوكرانيا، ليست عضوًا في الأمم المتحدة. في حين أن أوكرانيا لديها علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء مع أكثر من 180 دولة، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة، فإن تايوان لديها علاقات دبلوماسية كاملة فقط مع ما يقرب من اثنتي عشرة دولة، ولا تعد أي من هذه الدول قوى كبرى تمنحها التأييد والدعم الملائم كالذي تحظى به أوكرانيا من قِبل الأوروبيين بشكلٍ عام أو أميركا بشكلٍ خاص.
وختامًا لذلك، فإنه مع استمرار تراجع القدرة الأميركية وكثرة الضغوطات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية الداخلية، قد يبدو أنه من غير الواقعي أن تجازف أميركا التايوانية بالدخول في حرب ضد الصين. ففي المجال العسكري، يمكن لأميركا الأوكرانية احتواء روسيا، لكن لا تستطيع احتواء الصين؛ لأن الجغرافيا الاقتصادية، وليس الجغرافيا السياسية، هي التي سوف تدور فيها المنافسة على الزعامة العالمية.
إعداد: رامز الشيشي
مصادر
https://www.theguardian.com/world/2022/jul/27/a-dangerous-moment-china-warns-of-consequences-if-nancy-pelosi-visits-taiwan
https://www.bbc.com/news/world-asia-china-58854081
https://www.usip.org/publications/2022/03/china-not-russia-taiwan-not-ukraine