رامز الشيشي يكتب | الصين والنموذج الليبرالي الغربي
مَثَّلَ الصعود السلمي للصين تهديدًا واضحًا للنموذج الليبرالي الغربي في الآونة الأخيرة لاسيما في ظل تفوق النموذج الصيني في التعامل وإدارة العديد من الأزمات الدولية على الساحة السياسية الدولية كجائحة كوفيد-١٩ والمساعدات الاقتصادية والصحية فيما عُرِفَ باسم “دبلوماسية الأقنعة”. على عكس الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الرائدة للليبرالية العالمية، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق في ١٩٩١، الأمر الذي دفع كلًا من جوزيف ناي إلى القول بأنها “اللحظة الأمريكية”، وفرانسيس فوكاياما إلى القول بأنها “نهاية التاريخ”. حيث رأى فوكوياما أن الديمُقراطية الرأسمالية هي النموذج النهائي للتطور البشري الأيديولوجي للإنسانية. وبالتالي، فهي تمثل نهاية التاريخ، فإنه لم يكُ يدرك أن هذا الطرح الأيديولوجي أيضًا لم ينطلق من رؤى واستقراءات عميقة في التاريخ والصيغ والنماذج البشرية، وأنه ربما سيفاجأ بما حدث للنظام المالي الرأسمالي في الولايات المتحدة الذي اعتبره نهاية النهايات لكل الفلسفات والأفكار الإنسانية، وأصبحت الاقتصاديات العالمية تعيش زوابعه السلبية وأثرها على الأمم في عيشها واستقرارها، آخرها الأزمة المالية التي عصفت بالغرب منذ عدة سنوات، وما صاحب ذلك من ظاهرة الشعبوية وصعود اليمين ومرورًا بالصعود الصيني والروسي والآن جائحة كورونا وقضية التغير المناخي التي ظهرت كأزمة من الأزمات الجديدة والمُلحة التي تواجه النموذج الليبرالي. فمع ظهور النموذج الليبرالي العالمي بعد الحرب الباردة، نَمَا ليشمل العديد من الدول غير الليبرالية. ولكن صعود الصين وحده هو الذي صهر المخاوف الاقتصادية والأمنية بشأن عواقب السماح لدولة غير ليبرالية بالازدهار داخل النظام. وقد ساعدت “اللا ليبرالية” المُستمرة والقوة العسكرية والاقتصادية المتنامية للصين على التشكيك في كفاية المؤسسات القائمة، من منظمة الصحة العالمية إلى منظمة التجارة العالمية. إن ملامح حُكم الحزب الشيوعي الصيني تتعارض مع العديد من المبادئ الأساسية للنموذج الليبرالي، ولكنها قد تتعايش مع عودة كلًا من النموذجين الصيني والليبرالي إلى مبادئ “وستفاليا” من القرن السابع عشر.
يُمكن التدليل على ذلك من خلال سياسات الحزب الشيوعي الصيني، فهو لم ينفق أي طاقة كبيرة لإلحاق الهزيمة بهذه المبادئ الليبرالية على الصعيد الدولي إلا عندما تهدد بقاءه وسيادته على الصعيد المحلي. وقد استفادت الصين من مشاركتها في النظام الليبرالي العالمي ولا تزال مدافعًا قويًا عن النظام الغربي الذي بُنِيَتْ عليه. والواقع أن الحكومة الصينية بدت في بعض الأحيان أكثر استثمارًا في الحفاظ على الترتيبات القائمة من الولايات المتحدة، ومن هنا جاءت المفارقة المُتمثلة في دفاع الرئيس الصيني “شي جين بينج” عن التجارة الحرة في دافوس والتعاون مع منظمة الصحة العالمية؛ لمساعدة غالبية دول العالم في مكافحة جائحة كوفيد-١٩. وقد تصرف الحزب الشيوعي الصيني أيضًا بشكل استراتيجي، حيث استثمر في إعادة تشكيل أو رفض الترتيبات الدولية في مختلف القضايا التي تعتبر محورية في حُكمه المحلي، وكان أكثر استعدادًا للركوب الحُر (Free-riding) أو الإذعان للمُمارسات الدولية بشأن القضايا الأكثر هامشيةً. فالغرض الاجتماعي المحلي للنظام السياسي الصيني لا يتطلب التدمير الشامل للنظام الدولي القائم، على الرغم من أنها تُفضل نسخة أكثر تحفظًا تؤكد على المعايير الغربية للسيادة وعدم التدخل. ففي إطار الأمم المتحدة، على سبيل المثال، سعت الصين إلى تغيير الالتزامات الدولية بشأن حقوق الإنسان للتأكيد على سيادة الدولة، والإشراف على المجتمع المدني، والتنمية الاقتصادية؛ لتكون أكثر تناغمًا مع المنظومة القيمية الآسيوية في مواجهتها للمنظومة القيمية الغربية، ولكل حديث حادث.
* رامز الشيشي، طالب بكلية السياسة والاقتصاد، جامعة السويس