راوية حسين تكتب| الاعلام هل ضل السبيل ؟

0

سؤال لطالما حير الكثير من أساتذة الإعلام والإعلاميين من أصحاب الرسالات والأقلام النظيفة، وكذا الكثير من أفراد المجتمع الواعي. فالإعلام بكل أشكاله كان منذ بداية الفكرة مهنة راقية ورسالة موجهة ذات مسئولية ثقيلة الأحمال مما لها من تأثير بالغ الأثر على الجمهور المتلقي، وعلى عجلة التنمية بالأوطان.
ولهذه الأهمية ذهب المشرعون والعلماء لوضع مواثيقًا لشرف المهنة الإعلامية وأٌطرًا لحدود حرية الرأي في الإعلام، كما عنت الدول بالرقابة، حتى أن أغلب دول العالم خصصت وزارة للإعلام أو ما يوازيها؛ والتي كان لها من القوانين والتشريعات والسلطات الرقابية والتنظيمية والتوجيهية، شأنها في ذلك شأن أي إدارة لأي مؤسسة فاعلة لها أهداف ورؤية ورسالة، وتنظيم وتخطيط ورقابة…إلخ
ولكن، إذا نظرنا اليوم نظرة فاحصة للإعلام، من منظور إعلامي أو منظور جماهيري أو حتى من منطلق المالتي ميديا والرقمنة؛ بمنظور المستخدم، الذي يستقبل ويشارك بل وقد يصنع محتوى “مكتوب أو مصور” فأيًا ما كان المنظور المُقَيِّم، فالسؤال واحد ومُلِح، ماذا يقدم الإعلام اليوم؟ ولمن؟ وما هدفه؟ ومن يقوده؟ فلما كان الهدف الرئيسي للإعلام هو المجتمع سواء كان لإعلامه بأحداث جارية، أو توجيهه لمسار التنمية أو تحذيره وتأمينه من المخاطر، أو لدراسته وتحليله، أو مناقشة آراؤه وعلماؤه أو إشراكه أو توعيته أو ترفيهه أو تثقيفه …إلخ
حقًا، إنها دائرة متسعة جدًا ومحيطها متمثلًا في المجتمع بكل طوائفه وطبقاته، وكأن دورانها يدور من أجله.
ولما كانت الأسرة بأفرادها هي بنية المجتمع، وكان الرأي العام تجاه مختلف القضايا هو محور ارتكازه؛ فكان على الإعلام أن يهتم بالأطفال والمراهقين والشباب، ومن ثَم الأبوين، وكذا العلاقات المتبادلة بين أفراد الأسرة وبين مختلف العلاقات خارجها، وأيضًا توجهات الأفراد نحو العلم، العمل، الدين، السياسة، الاقتصاد والفن. كم قدمت الدراما والبرامج قديمًا من إنتاج أثر في سمو القيم وتدنيها على السواء، كم ناقشت من مشاكل حقيقية في المجتمع، وقدمت كوميديا ساخرة هادفة. فعلى سبيل المثال لا الحصر كان من البرامج والدراما الهادفة:
“مسلسل عائلة ونيس”، “مسلسل بابا عبده”، “مسلسل ضمير أبلة حكمت”، “فيلم دعاء الكروان”، “فيلم الزوجة الثانية”، “فيلم شيء من الخوف”. وكان من البرامج برامج للأطفال مثل: “سينما الأطفال”، “ماما نجوى”، برامج لتنمية حس الإبداع والتعمق في العلم والدين مثل: “نادي السينما”، و”العلم والإيمان”، و”حديث الروح”، هذا بخلاف برامج ومسلسلات الإذاعة: مثل: “كلمتين وبس”، “أبلة فضيلة”، “ربات البيوت”، ومسلسلات: “عوف الأصيل”، “قسم وأرزاق”، “من الحياة”.
ولا ننكر قطعا وجود بعض من السلبيات المتأصلة في بعض الأعمال الدرامية والبرامج القديمة إلا أن الرقي كان طافيًا بجدارة. أما الصحافة فالفيصل كان فيها متمثلًا في المصداقية والشرف والأمانة واحترام القارئ، “والحديث في شأن الصحافة يطول”.
أما عن الوسائل الإعلامية اليوم: فما هو حالها؟ بل ما هو حال المجتمع بها؟ مسلسلات وأفلام تركيزها على الإجرام والبلطجة كوسيلة لنصرة الحق والنجاح، والخيانة الزوجية من الطرفين والمبررة نتيجة للإهمال وخلافه
وكأن التحذير: “هتهملها هتخونك عادي”! .. المرأة المنحلة نتيجة للظلم الذي تعرضت له و التعاطف معها وإلا فأنت قاسي ورجعي، وكأن الصور الإيجابية منعدمة الوجود.. المُثُل العُليا التي تقدم بغزارة في قصة حياة راقصة ومطرب، وكأن العالم والمبدع والمكافح لا طائل من الاقتداء به. والفساد وسيلة للتربح المؤكد من أجل الحياة ومتاعها. ولا وجود لصور الكفاح، بعد “سنبل والمليون” و”لن أعيش في جلباب أبي ” وغيرهم من إبداعات الماضي. هذا غير الإعلان والدعايا التي تبيح كل ما هو جاذب بغير إطار قيمي للمجتمع. وهكذا الكثير مما لا حصر له من العروض الفنية الإبداعية!! وكأن المجتمع أصبح ينبذ الأخلاق والقيم بشكل لا رجعة فيه .
أما عن مستوى الحياة فيتراوح بين السوقية والإنحلال والتدني والبلطجة متمثلا في الطبقة الشعبية الفقيرة. و الفساد والإنحلال أيضا والعري والإجرام والظلم متمثلا في الطبقة المتحررة ذات الثراء المبالغ فيه. وأما الطبقة المتوسطة والأخلاق فليس لهم وجود في مجتمع الدراما.
وإذا ذهبنا للمسرح والكوميديا نجد أنه بات يقوده عددًا من الشباب المهرج، المتمكن من “الألش” ولغة “السوقة” وليس “العامة” والألفاظ الإيحائية بالمفاهيم الجنسية والإجرامية، وكأن الحياء والخلق أصبح رجعية وتخلف لا تناسب العصر.
أما البرامج، فحدث ولاحرج: فهذه عشرات وربما مئات من المطابخ فارهة الثراء من الديكورات وخامات للأكلات وإمكانيات للعمل عليها، جميعها لا تتوفر في أكثر من ٨٠% من البيوت المصرية، “ولا يقدر ع القدرة إلا القادر”، والسؤال هنا: من تخاطب هذه البرامج؟ كأنهم يخرجون ألسنتهم بالكيد للفقراء والبسطاء، ثم يقدمون السبيل في الدراما وسيناريو الإجرام جاهز للتنفيذ، والثغرات مدروسة!
أما هذا فبرنامج ينفق الملايين لعمل مفاجآت رعب متفق عليها مع فنانين حتى يضحك الجمهور على حاله وعنائه ضحكات تطوي الحسرات، وهذا أيضًا ممثل يكاد يستحوذ علي أكثر من ثلثي بطولات الأفلام والمسلسلات ثم يشغل الثلث الفارغ من وقته ببرامج لا هدف منها غير اجتماع أهل الفن المزيف ببعضهما البعض، وهذا برنامج لإعلامي ليس بفقيهٍ في الدين، إنما تقوم رسائله على هدم بنية الدين والعقيدة.
أما برامج “الشعوذة ” كبرامج المرأة وتفسير الأحلام والسحر والنصائح الساخرة من المجتمع، فانقسمت بين العديد من فتيات الإغراء، فهذه واحدة توجه الفتيات لكيفية التعامل مع الرجال والحرص على التصدي لهم
والأخري تعيد النساء لعصور الظلام، وتسخر من العقول بادعاء العلم والخلق، هذا بعد أن انفقت الملايين لتغيير هيئتها ،حتى تحقق أعلى درجات المشاهدة والأرباح ولعلها تظفر بالشهرة والمكاسب على عاتق امتهان كل نساء ورجال المجتمع ،،
هذا ولنا في مواقع التواصل الإجتماعي أحاديث تطول… وهكذا، فكأن رسالة الإعلام أصبحت تقول لنا:
“الحياة عبارة عن علاقة جسدية بين رجل وامرأة فقط ثم الحرب بينهما، ثم جمع المال والثراء الفاحش، بأي وسيلة ومن أي اتجاه!!! ثم دعك من الدين فلا مجال له غير الإرهاب! وأقبل على الحرية بلا قيد والْتهِم من يعرقلك وإن كان أبيك، واقتنص الفرص للتربح حتى لو خنت بلدك، واستهنت بعِرضك!! ولا تعبأ بمحرمات !!!!!
أما القانون فهناك ألف سيناريو للتحايل عليه والإفلات منه !! وأصبحت الرسائل مختصرها في: الحياة أموال ونساء ومتعة، وحرية بلا قيود أو أطر، وجنس بغير عفاف “كل هذا يمكن أن يتحقق بالفهلوة والتبرأ من الأديان والتحايل على القانون أو ترويضه”.
وأخيرًا: لا ننكر وجود الأعمال الراقية والهادفة إلا أنها قليلة لدرجة الندرة حتى كدنا ننساها. وفي النهاية يقف مثل هؤلاء في إعلان لطلب جمع تبرعات للمرضى والفقراء، ولا حياء ،، ولا رقابة ،،، ولا تعليق ….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.