راوية حسين تكتب | قلم المثقف وثرثرة الهواتف

0

قلم المثقف وثرثرة الهواتف
راوية حسين

الفقر والجهل يصنعان من الميديا الحديثة إعلامًا ملوثًا بنوع من البكتريا التي تنخر في المجتمع وتدمر فيه الأخضر واليابس، وأعداء الوطن يتربصون لاصطياد هذه الأوبئة ونثرها لسرعة تفاقم الخراب قبل الانتباه، والمسؤولية هنا تقع على عاتق المُثقف قبل المُكلَف، هذا المثقف الذي تفصل بين أقلامه وثرثرة ما يتناقله العامة شعرة، تحتاج للمصفف الواعي.
كان المجتمع قديمًا يستقي معلوماته بشكل انتقائي من خريطة إعلامية تنحصر بين مقروءٍ من الجرائد والكتب والمجلات، ومسموع ومرئي بكل من الراديو والتليفزيون، وبالرغم من قلة عدد القنوات بهما إلا أن التخصص في كل منهما كان يسهل عملية الإنتقاء مابين خبر و تثقيف وتوجيه وترفيه، فكان هناك ماهو مخصص للطفل وغيره للشباب وماهو مخصص للأسرة، حتى كبار السن كان لهم مخصص من البرامج، كانت السمة الأساسية المشتركة في كل من هذا وذاك ” القيم المجتمعية والرباط” وبالرغم من الإنعزال عن العالم وتطوراته في مختلف المجالات، إلا أن المجتمع وقتذاك كان يتمتع بالعديد من المزايا، منها التطلع والشغف والبذل، ومنها الدفئ العائلي والرضا رغم المعاناة،أهم هذه المزايا كانت في تمتع الفرد بمعايشة المراحل العمرية التي يمر بها كما ينبغي لكل مرحلة، فالطفل طفل ببراءته والكهل كهل بتطلعه والشيخ شيخ بحكمته.
والآن وقد سابقنا وتسابقنا وانفتحنا على العالم بكل ثقافاته ومزاياه ومفاسده من خلال الإعلام الرقمي والميديا الحديثة بما تحتويه من مواقع تواصل وذكاء اصطناعي ومختلف التطبيقات وأيضًا الفضائيات ومايحمله الفن بفنانيه من دراما وبرامج وخلافه، وهنا لم يعد لدى أي فرد من أفراد المجتمع رفاهية الإنتقاء كما نعتقد، فالحقيقة أنه أصبح مُساق، مُنساق، مسلوب الإرادة وموجه لاختراقه وتدميره، هذا الذي لا يملك من العلم والكفاية مايميز به بين احتياجاته كإنسان سوي مع كيف وأين ومتى يجدها، وتلك الإحتياجات الحيوانية التي لا يصلح لها إلا قوانين الغابات والتي تلألأت لنفسه وكأنه لم يكن يدركها من قبل،وهنا يأتي دورالجهل والفقر ليقودا مسيرة العامة والصغار من الأطفال والمراهقين والشباب. لم أجد هنا تعبيرًا لما حدث ويحدث في الآونة الأخيرة أدق من كلمة اختراق، قد تم فيه إحتلال العقول وبرمجتها على أساس الخلل في الساعة العمرية والقيمة الإنسانية لكل فرد بالمجتمع دون استثناء، ولكنها فقط تختلف الاستجابات مع اختلاف درجات الوعي والعلم والكفاية المادية، وعلى الرغم من معلومية الغالبية العظمى بكل هذه النتائج إلا أن هناك عجز فعلي عن الإجابة على سؤال يفرض وجوده لديهم وهو:
على عاتق من تقع مسؤولية مواجهة هذا الإختراق؟
أعلى الأسرة أم المدرسة أم الإعلام؟
فإذا كان ولا بد من أن يجتمع كل هؤلاء في إدارة هذه المسؤولية؛ فكيف يمكن التنسيق بينهم لنجاح مهمتهم المجتمعية؟
وهنا يأتي دور قلم المثقف؛ فهو وحده من يستطيع أن يوجه الإعلام الرقمي بكل أنواعه نحو ما يريد من إنقاذ وتعديل التوجهات، ولكني أعني قلم المثقف الواعي الذي يعرف دوره تجاه المجتمع، لا أقصد هذا الذي ينشر كل مايجد أمامه دون وعي أو فهم فيدمرعقول وينشر مفاسد ويصدر جهله أو حقده أو شره في تغريدة أو تعليق أو خبر كاذب، ومنهم من يرصد كل الحوادث والجرائم فيوحي للقارئ بالرعب وكأن لاخير ولا أمل ولاحياة ، فهو مجرد ريبوت ينفذ مخطط تخريبي للمجتمع بجهله وادعاء الثقافة، نحن نريد المثقف الذي يكتب قصة لفيلم أو مسلسل يقوم بالعمل فيه فنانين بحق، نريد إعلامي مثقف وفنان مثقف وأديب مثقف؛ يخاطب كل منهم في مقامه كل فرد من أفراد المجتمع بكل طوائفه وأنواعه وأعماره ، فنعود لنقدس المدرسة والمعلم والأب والأم والأسرة،الصداقة، الشرف ، المروءة، الأمانة، الصدق، نعود لنبذ العُري المفسد والبلطجة والإجرام والبجاحة والخيانة، نعود بالقيم والأمل والسعي والكفاح والحب، نعود فنقدس الكلمة وقبل أن نكتبها نسأل أقلامنا: ماذا تعرف عن خطورة وعظمة الكلمة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.