رباب العشري تكتب | 23 يوليو.. تحية لمن كُن في الظل

0

عندما تندلع الثورات، عادةً ما تسلط الأضواء على الزعماء، على الهتافات، وعلى مشاهد الانتصار الكبرى، لكن هناك دومًا حكاية تُروى في الخلفية… حكاية نساء حملن الوطن في قلوبهن قبل أن يحمله الرجال على أكتافهم. في ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، التي غيّرت وجه مصر، لا يمكن أن نغفل عن أن كل ثورة، مهما علا صوتها، تُولد أولًا من رحم امرأة.

في بيوت مصر القديمة، كانت الأمهات تزرعن في أبنائهن بذور الكرامة. في جلسات الخياطة، كانت النساء يتبادلن الوعي قبل أن يتبادلن القماش. في كل شارع كانت هناك امرأة تمسح الدمع، وتخفي المنشور، وتُخبئ الأمل في خبز اليوم التالي. النساء لم يكنّ فقط جمهورًا للثورة، بل كنّ حاضنات لها.

ورغم أن ثورة 23 يوليو ارتبطت بالمؤسسة العسكرية، فإن جذورها الشعبية، وغضبها العارم من الفقر، والاحتلال، والظلم الاجتماعي، كانت تغلي في قلوب الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في حرب فلسطين، والزوجات اللواتي شهدن إذلال أزواجهن أمام الاحتلال والفساد. لم تكن النساء بعيدات عن لحظة الانفجار، بل كنّ وقودها الصامت.

حين أعلن الضباط الأحرار بيانهم الأول، كانت هناك ملايين النساء تحبس أنفاسها. وحين بدأت قرارات الثورة في إلغاء الإقطاع والتعليم المجاني، كانت المرأة المصرية أول من شعر بأن التغيير بات ممكنًا، وأن لأبنائها حقًا في وطنٍ أكثر عدلًا.

ولعل أبرز ما تغيّر بعد الثورة هو الاعتراف ـ ولو متأخرًا ـ بدور المرأة، حيث جاء دستور 1956 ليمنحها لأول مرة حق الانتخاب والترشح، وكأن الثورة أرادت أن تقول: آن للرحم الذي أنجب الثوار أن يُنصِف.

اليوم، ونحن نُحيي ذكرى 23 يوليو، يجب أن نعيد النظر في سردية التاريخ. ليس من باب المجاملة، بل من باب الإنصاف. فالثورات، على مرّ التاريخ، لم تكن يومًا لحظة عسكرية فقط، بل لحظة إنسانية شاملة. وما من إنسانية دون امرأة.

تحية لكل امرأة صاغت في صمتها صرخة شعب

تحية لكل أمّ أنجبت حُرًّا
لكل فتاة حلمت بوطن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.