رحاب عبدالله تكتب | الدين لله والتعليم للجميع

0

خرج علينا وزير التربية والتعليم مؤخرا بمقترح البكالوريا الجديد، والذي يبدو أنه يحظى بتأييد كبير داخل مجلس الوزراء، خاصة مع رفعه شعار التخفيف عن الطلاب، وتأهيلهم لسوق العمل، ولكن ما لفت انتباهي، هو إعلان الوزير، إضافة مادة الدين ضمن المجموع الكلي للطلاب، حتى طلاب الصف الثالث الثانوي، بل واحتلال مادة الدين 15% من المجموع الكلي، وهو القرار الذي سينسف من وجهة نظري جميع جهود الدولة السابقة في تجفيف منابع الإرهاب ومحاربة التطرف، كما أنه يتنافى مع معايير الدولة المدنية، التي نتطلع إليها، وكذلك يتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص.
يبرر الوزير وجهة نظره بأن القرار، سيضمن نشر الأخلاق والقيم بين الطلاب في حين أن الوزارة بالفعل لديها منهج خاص للقيم والأخلاق، ولكن الطالب لا يعرف عنه شيئا، ولا حتى يكلف نفسه عناء اصطحاب الكتاب معه للمدرسة، وبدلا من أن يراجع الوزير المدارس في عدم الاهتمام بمادة القيم والأخلاق، خرج علينا بقراره المُثير للجدل، بإضافة مادة الدين للمجموع، وإن كان يستهدف حقا القيم والأخلاق، فكان عليه جعل مادة القيم والأخلاق مادة نجاح ورسوب على الأقل.
على مدار سنوات، تحاول وزارة التربية والتعليم، محاربة الدروس الخصوصية بكل السبل، ولكن حتى الآن جميع المحاولات باءت بالفشل، فهل يضمن الوزير، أن إضافة الدين للمجموع، لن تسمح بتصعيد المشايخ المتطرفين، لتدريس الدين من باب الدروس الخصوصية في القرى والنجوع والأماكن النائية، وأن يفعلوا بعقول أبنائنا ما يريدون، خاصة أن نقابة المعلمين نفسها كانت تخضع لسيطرة التيارات الإخوانية الإرهابية لسنوات، فيمنحهم الوزير بقراره على طبق من ذهب وسيلة للعودة بقوة إلى المشهد، واحتلال عقول النشء كافة.
في حالة تطبيق القرار، هل سيعين الوزير معلمين دين مسيحي خريجي كلية اللاهوت، لضمان تكافؤ الفرص، وهل لديه مساحة من الفصول، ستخصص لطلبة الدين المسيحي، لحضور مادة أساسية تشكل 15% من المجموع أم أنهم، سيظلون يتلقون تلك المادة من معلم الرسم أو الموسيقى المسيحي في مكان ما بفناء المدرسة.
هل يعلم الوزير، أن مجتمعنا به جالية يهودية، تشكل 5% من المجتمع، تتخفى، وتضطر لدراسة دين في المدارس، لا تعتنقه، وهل يعرف أن هناك نسبة أيضا من البهائيين واللادينيين، وربما ديانات أخرى، لم تعلن عن نفسها سيتم إجبارهم على دراسة الدين رغما عنهم، كما كان يتم من قبل إجبار الطلاب المسيحيين على حفظ آيات القرآن والأحاديث الشريفة ضمن منهج اللغة العربية في زمن ظننا أننا تجاوزناه بما يتنافى مع معايير الدولة المدنية، واحترام حرية الفرد في العقيدة.
إن دولتنا المدنية، التي نحلم بها، والتي لا تزال حلما بعيد المنال، يجب أن تخضع للمساواة، وتكافؤ الفرص بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس، يجب أن نتعلم أن نحترم خصوصية الإنسان، وألا نجبر بعضنا على أمور فكرية أو عقائدية، يجب أن نعود لتصريحات الرئيس السيسي، التي أقرت حقوق المواطنة واحترام جميع الأديان في أكثر من مناسبة، حتى أنه قال في إحدى المرات، إنه لو كانت لدينا ديانات أخرى، سنبني لهم أيضا دور عبادة، يجب أن يظل الدين بعيدا عن السياسة، وأن يستمر مادة نجاح ورسوب، كما هو، وأن كان الغرض الحقيقي، هو القيم والأخلاق، فبالفعل لدينا مادة قيم وأخلاق، تحتاج أن يراها الوزير ويدعمها، يجب أن نكف الحديث عن أن مشكلتنا، هي مشكلة دينية، لأننا لسنا كذلك، ولأنه لو كانت المشكلة في الدين، فلماذا تفوقت علينا مئات الأمم، التي لا تنتنمي لأي دين.
لقد أسفر قرار الوزير بإضافة الدين للمجموع، والذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد عن أولى ثماره في نشر التطرف والأنقسام، وبات كل من يعارض هذا القرار، هو كافر، لا يريد نشر الدين، ولا يعرف الله، وبدلا من أن نناقش قرارات تعليمية، ونتحدث عن مدى تحقيقها لمصلحة الطالب والوطن، بتنا ندفع عن أنفسنا تهمة الكفر والإلحاد والرغبة في نشر الفسوق بالمجتمع.
إن الفهم الحقيقي للدين، يجعلنا نعلي قيمة العلم، ونحصنه بالأخلاق، فالأمم المتقدمة، ليست الأكثر تدينا، بل الأكثر عدالة وإنسانية، والأكثر إعلاء لقيمة العلم والوطن، ومهمة الحكومة دائما، هي الارتقاء بحياة الفرد، وتوفير الخدمات، والحياة الكريمة له، وليس إدخاله الجنة، أو حمايته من النار.. لذلك أطالب الحكومة بأن تعلي مصلحة الوطن، وتحميه من قرار قد يحمل تبعات كارثية مستقبلية، ويُمكن المتطرفين من السيطرة على عقول الأجيال القادمة. اتركوا الدين، وشأنه، فالدين لله والتعليم للجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.