رشيد غويلب يكتب | مأساة اليابان

0

في يومي 6 و9 أغسطس 1945 ألقت الطائرات الأمريكية قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين على التوالي. وأدت الجريمة إلى قتل 100 ألف مواطن في الحال.
وخلال العام نفسه فقد 130 ألفًا حياتهم متأثرين بما أصابهم نتيجة التفجيرين. وفي السنوات اللاحقة فقد مئات الآلاف حياتهم بسبب هذه المأساة، ولم يبق من مجموع سكان مدينة هيروشيما، البالغ عددهم حينها 350 الفا، سوى 70 الفا. وحتى اليوم لم تسلم الأجيال الجديدة حديثة الولادة من التشويهات الخلقية أيضا.
والغريب ان دعاة الحرب في البلدان الرأسمالية المتطورة ما زالوا يقللون من بشاعة الجريمة، ويعيدون ما قالته ماكنة الدعاية الامريكية من أكاذيب حولها، مدعية ان قصف ثاني أكبر مدينتين في اليابان بالقنابل النووية سهّل تسريع انهاء الحرب في المحيط الهادي في 2 آب 1945، واستسلام اليابان من دون قيد او شروط في 15 منه.
في عام الذكرى الثمانين تتسع وتتصاعد الحروب التقليدية ومعها يتصاعد أيضا التهديد بحرب نووية محدودة أحيانا ومنفلتة أحيانا أخرى. لقد هدد دونالد ترامب روسيا بالأسلحة النووية يوم الجمعة الفائت. ويكتسب التهديد الكثير من الجدية، لأن استخدام القنابل النووية لم يكن يومًا من المحرمات بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، ولعل الذكرى الثمانين خير دليل على ذلك.
ومنذ امتلاك إسرائيل للسلاح النووي تعمل على تدمير أي قدرات نووية سلمية كانت او حربية لأي بلد تعتبره خطر عليها، او على هيمنتها في إطار “الشرق الأوسط الجديد”. ويمكن هنا الإشارة إلى تدمير المنشآت النووية العراقية في عام 1981، والهجمات على المنشآت النووية الإيرانية.
ومن جانبها تستخدم روسيا قدراتها النووية كورقة ضغط تكتيكية، وهي ورقة دأب الرئيس الروسي بوتين، منذ غزو أوكرانيا، على التهديد به.
والأهم من ذلك كله، لا يوجد ما يشير إلى أن آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا ستُمدد إلى ما بعد شباط 2026. إن إنهائها، الذي بدأه ترامب خلال ولايته الأولى وأرجأه بايدن خمس سنوات، من شأنه أن يزعزع استقرار ما يُسمى بتوازن الرعب.
ويعمل حلف الناتو على هذا الأمر مرارًا وتكرارًا منذ 76 عامًا. شمل توسع الناتو شرقًا “ضمانًا نوويًا” للدول الأعضاء الجديدة. كان الاقتراب من المنشآت العسكرية الاستراتيجية لروسيا خطوة مدروسة.
والآن، ينضم الحلفاء الأوروبيون، الذين دعموا دائمًا التقدم النووي للحلف، بشكل متزايد. على سبيل المثال، تخطط الحكومة الألمانية لنشر أنظمة أمريكية جديدة متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية بدءًا من عام 2026، على أراضيها. وطلبت صواريخ بعيدة مدى من الولايات المتحدة. ويريد الرئيس الفرنسي ماكرون إنشاء برنامج “المشاركة النووية” الخاص به في أوروبا الغربية؛ وفي منتصف تموز الفائت، سلمت قاذفات أمريكية قنابل هيدروجينية إلى بريطانيا لأول مرة منذ سنوات عديدة. ويدعو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي وحزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف بالفعل إلى امتلاك ألمانيا أسلحة نووية. ولم تعد وزارة الخارجية الألمانية تشارك في المداولات حول معاهدة حظر الأسلحة النووية.
ومعلوم أن الاسلحة النووية المتبقية لدى الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية وفرنسا والصين والهند وباكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية تكفي للقضاء على الجنس البشري عدة مرات.
لقد شكل قصف المدينتين اليابانيتين بالسلاح النووي، المدخل الحقيقي لحقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من مرور 34 عاما على تفكك الأخير وحل حلف وارسو، إلا أن العالم يعيش حربا باردة جديدة.
أما اليابان، التي عانت من مئات الآلاف من الوفيات والإصابات والأمراض الخطيرة بعد أغسطس 1945 بفترة طويلة، فتتخلى هي الأخرى عن موقفها السلمي وتعيد تسليح نفسها. ويقول ناشط السلام الياباني تيرومي تاناكا، البالغ من العمر 93 عامًا، والذي نجا من كارثة القنبلة النووية: “كل قنبلة تُشكل خطرًا أمنيًا لأنها قابلة للاستخدام في نهاية المطاف. وقد أثبت التاريخ ذلك.
لذلك تطالب قوى اليسار في كل أنحاء العالم بإيقاف عمليات تطوير اسلحة نووية جديدة، وبإتلاف المخزون منها، وايقاف عمليات سباق التسلح في مجال الأسلحة التقليدية. ويشدد أغلب هذه القوى على حل حلف الناتو نظرا لانتفاء الأسباب الموجبة لاستمراره، وإبداله بنظام عالمي جماعي للأمن والسلام، بمشاركة روسيا الإتحادية وعلى قدم المساواة مع البلدان الغربية المتطورة عسكريا، والتوقف عن استخدام الحرب والعسكرة وسيلة لحل النزاعات الدولية.
ومنذ عام 1947 يستذكر سكان المدينتين اليابانيتين سنويا المأساة، ومعهم مئات الآلاف من رافضي الحرب ودعاة السلام في أنحاء كثيرة من العالم، مؤكدين بشاعة ما حدث ومنوهين بقيم الأمن والسلام. ويتوجه العديد من الشخصيات المعروفة عالميا ومحليا، سياسيا ودينيا وثقافيا ومن ممثلي الأحزاب السياسية ونشطاء حركة السلام ومراكز البحث في هذه القضايا، مطالبين بعالم خال من الأسلحة النووية، وبحلول سلمية للصراعات المستعرة في العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.