رضا سُليمان يكتب | التعليم الفني وسوق العمل

0

أحدثت التعديلات على نظام التعليم الثانوي العام صدى مختلف الترددات بين جميع أطياف المجتمع المصري، لكنها في الأجمال تعديلات تهدف تخفيف العبء عن كاهل الطلاب لإفساح المجال للتعمق في المواد التي تواكب متطلبات سوق العمل.

لكن لدينا قطاع كبير من أبناء هذا الوطن يتم استهلاكهم في “لا شيء” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فيما يسمى بالتعليم الفني. الواقع يقدم لنا خريجين من مدارس التعليم الفني على درجة تعليم متوسط ورقيًا فقط، أميون في الحقيقة. خريج التعليم الفني، نسبة كبيرة بالطبع، تحصل على شهادتها المتوسطة بلا أي خبرات مكتسبة، وأستطيع أن أقولها بكل صراحة من منطلق حزني على كل الجهود المبذولة، وحزني على كل أولادنا الذين يخرجون من هذا التعليم صفر اليدين، أقول التعليم الفني يُخرج لنا طلبة هم عالة على المجتمع، لا خبرة اكتسبوها، ولا مهنة تعلموها، ولا ثقافة عامة أضيفت لهم، مجرد شهادة مكانها الأدراج، ليخرجوا إلى سوق العمل من نقطة الصفر بحثًا عن مهنة يتعلمونها من جديد وهم في عمر الشباب. مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوي الفني العمرية، هي المرحلة التي يُتاح فيها التعلم وبداية الانطلاق، لذا فإن تطوير التعليم الفني بما يتناسب مع سوق العمل أصبح أمر حتمي، خاصة مع تغير المفاهيم والنظرة المجتمعية للمتعلم، فهناك خريجين مؤهلات عليا يقبلون على أعمال هي من الأصل لأبناء التعليم الفني، بل وأعمال كانت لغير المتعلمين على الإطلاق، وإضافة أقسام جديدة، تغيير نظام التعليم الفني بالكامل هو ضرورة بعد هذا التغيير في نظرة المجتمع ونظرات سوق العمل.

لدينا في التعليم الفني ما يقرب من 3 مليون طالب، منهم 2.3 مليون طالب في 2700 مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم الفني، ينقسمون إلى مليون ومئة ألف طالب في التعليم الصناعي في (1330) مدرسة، وثمانمائة وسيتن ألف طالب في التعليم التجاري في 970 مدرسة، ومائتين وثمانين ألف طالب في التعليم الزراعي في 270 مدرسة، غير ستين ألف طالب في التعليم الفندقي في 115 مدرسة.

الحديث عن ثلاثة ملايين من شباب مصر يكون في أروقة الوزارة وأمام الكاميرات، بأننا نُؤهل للبلاد شباب ينهض بها، وهنا يستعين المتحدث بالأوراق والأرقام، وهي فعلًا أرقام لا أشكك فيها، لكنها لا تؤتي أكلها يا سادة، النظام المعمول به نظريا أكثر من رائع، لكن دعونا ننظر إلى النتائج… لا شيء كما ذكرنا، وكما يرى الجميع.

نظريًا يتحدث المسؤول عن خطة استراتيجية للتعليم الفني تنبثق من عدة محاور رئيسية (الإنسان، والتشغيل، وحماية الأمن، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة)، هذه الكلمات السابقة نظرية بحته، ولو سألت طالب في التعليم الفني عن أي كلمة فيها ما أجابك. وإن كان لدى وزارة التربية والتعليم خطة للتوسع في أعداد مدارس التكنولوجيا التطبيقية، فقد أكدت تقارير دولية سابقة أن التعليم الفني فى مصر يعطى الأولوية لعدد الخريجين وليس لجودة تعليمهم، وصعوبة الانتقال من المدرسة إلى سوق العمل، ووجود مشاكل في الحوكمة والتمويل، ومسار مغلق أمام الخريجين للالتحاق بالتعليم العالي، بالإضافة إلى أن الصورة المجتمعية سلبية للتعليم الفني بين الطلاب وأولياء الأمور.

ولأنني ضد فكرة طرح المشكلات وتركها بدون عرض الحلول أقول إن سوق العمل اليوم يحتاج إلى خريج تعليم فني قادر على العمل في مهام جديدة يجب أن تُنشأ أسام لها، مثل قسم “التدوير”، وهو قسم يختص بالقمامة والمخلفات وجمعها وإعادة تدويرها والحصول على مليارات مُهدرة في هذا الجانب. أو قسم يختص بأعمال زراعة المشاتل وأكشاك زهور الزينة وبيع الزهور، قسم “العناية الشخصية” وهو مختص بمهنة منتشرة في مصر ومطلوبة في الخارج مثل مهنة الكوافير “رجالي وحريمي”، قسم التكنو الحاص بإصلاح وبيع الموبايلات والأجهزة التكنولوجية المختلفة، قسم يختص بأعمال الحفلات والندوات، قسم للصرف وهو لأعمال الصرف الصحي كوظيفة لها أهميتها الكبرى، وقسم التحصيل لتخريج مختصين بالتحصيل للتعيين في الكهرباء والمياه والغاز وغيرها. وهناك العديد مما يتطلبه سوق العمل لا أستطيع ذكرها كاملة هنا، وإن كانت هناك رغبة حقيقية في تطوير التعليم الفني، فلتُعقد اللجان المختصة لدراسة الأمر بشكل علمي واستحداث الأقسام المطلوبة، وتحديد مدد الدراسة فيها وموادها النظرية والتدريب العملي. لسنا في مجال استهجان للمهن والأعمال المتاحة والتي يقبل بها خريج الجامعة، لكننا في حاجة على مكاشفة ومصارحة بواقع يفرض نفسه وعلينا التكيف معه، واقع بقضي على مهن ويفرز غيرها كل عدة عقود، فكيف نواجهه ونحن بنفس العقلية التي مر عليها قرن من الزمان؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.