رضا سُليمان يكتب | سلاح اسمه “الدراما”

0

ظهرت مؤخرًا أصوات، متفرقة ومتباينة الارتفاع، تتحدث عن أن الدراما لا رسالة لها إلا التسلية فقط..!! وبالطبع تتحدث بذلك كي تواجه الحملات الشديدة التى تنتقد دراما التسطيح، والتجهيل، و الدراما التى تسعى إلى إصابة الخُلق والمعتقد في مقتل، ولأن معظم هذه الأصوات تستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر، بعلم أو بدون علم، من هذه النوعية من الإنتاج الدرامي، فهم يدافعون عن غثها بهذا الشكل غير المنطقي..!!
يدرك صاحب الفكر، وكل متأمل، وكل متخصص في دنيا الإعلام والميديا، يدركون تأثير الدراما، والإعلام على الجماهير، يعلمون أن الدراما لها فعل السحر فى نقل المعلومة وتحقيق الأهداف بشكل سريع ومباشر. والدراما ما هى إلا وسيلة يتم من خلالها نقل مختلف الرسائل، وسيلة تمتلك من أدوات الجذب ما يؤهلها الوصول إلى عقل وقلب المتلقي في سهولة ويسر، تمتلك أكثر وأهم الأسلحة قدرة على التوغل، ألا وهو سلاح “الإقناع”، إنها ببساطة تستطيع إقناعك من خلال القوالب الدرامية والقصص المحبوكة بأفكار لم تكن مقتنعًا بها من قبل. تجعلك تتفاعل مع المجرم وتساعده في الهروب من يد العدالة..!! أما القائل بأن الدراما لا رسالة لها غير التسلية فقط (والتسلية واحدة من بين عشرات من أهداف الدراما، لكنها ليست الوحيدة بالطبع) فإن كان يدرك المغزى فهو “مذنب” في نظري، وإن كان يردد بدون إدراك كما ببغاء مزركشة ألوانه، فإنه يستحق أن يصمت ليتابع ويتعلم، ولهؤلاء أقول بأنهم يرددون مثل هذا القول الساذج يا عزيزي ليبخسوا الدراما حقها، ليخلعوا عنها ردائها، كي يصلوا بالمتلقي بسهولة ويسر إلى منطقة “لا تصدق الدراما فهي للتسلية فقط”، وبالتالي لا تصدق الدراما التاريخية التى تنقل لنا سِيَّر العظماء والعلماء، لا تصدق الدراما الدينية التى تبسط وتشرح صحيح الدين والعبادات وتنقل في سهولة ويسر المراحل المهمة في نشر الرسالات السماوية، لا تصدق الدراما التوثيقية التى تنقل جرائم الجماعات الإرهابية وكيفية تصدي الدولة لها.
وعلى الجانب الآخر يُدرك أصحاب الأهداف الخبيثة أهمية الدراما فيتوجهون بإنتاجهم إلى كل ما من شأنه الإضرار بالذوق العام وثوابت الأخلاق، لذا على الدولة ممثلة في الجهات الإنتاجية الرسمية أن تنتج الدراما الصحية في مختلف المجالات “تاريخية، دينية، ثقافية، علمية، توثيقية، ترفيهية”، حتى لو لم تأتي بالعائد المادي الذي يقابل تكلفتها عن طريق بيعها للقنوات والمنصات أو الإعلانات المصاحبة، وطبيعي جدًا أن تُنفق الدول جزء من ميزانياتها على أسلحة الدفاع عن أرضها وأفكارها وثقافتها، ومن هذه الأسلحة “الدراما”. فقد أدركت الجهات المنتجة أهمية الدراما مما جعلها تدخل فى الآونة الأخيرة فى الإعلانات عن السلع لتؤثر وبشكل مباشر فى الجماهير لشراء هذه السلعة أو تلك، وأدركت دول أهمية الدراما فأنتجت أفلامًا تبرز قوة جيوشها وأن الجندي عندها هو “رامبو” هو الصخرة. وأنتجت شركات السيارات أفلامًا مشوقة ومثيرة يستخدم فيها الأبطال ماركة السيارات التى تنتجها هذه الشركات. وعندنا قديما، وهذا ما كان يدركه القائم على الإنتاج الدرامي فى مصر، تم إنتاج “رأفت الهجان، ودموع فى عيون وقحه، والأيام عن طه حسين، وغيرها من التجارب التى نعلمها جميعًا”

وهناك دول أخرى تغزو الدول فكريا عن طريق دراما بمئات الحلقات تنقل أفكارهم وثقافاتهم وعاداتهم، تنقلها ولو بالمجان لتصل إلى داخل كل بيت وإلى قلب كل فرد وتأتى بالمطلوب سريعا فأصبحت هناك ألفة بين ست البيت فى مصر وبين الحياة بأكملها فى هذه البلاد لتذهب وبمنتهى البساطة لتشتري منتجاتهم التى يشاهدونها في الدراما، وإن سافر أحدهم للسياحة سافر إلى بلادهم..!!
الدراما أيها السادة سلاح مهم ينقل في بساطة ويسر كافة الأهداف: تنويرية أو تخريبية، تثقيفية أو تجهيل وتسطيح، ينقل التاريخي والديني والعلمي والوثائقي، فلا يجب أن نترك مثل تلك الهجمة الشرسة التى تريد أن تقلل من شأن الدراما، ولا يجب أن نترك سلاح بهذه القوة في أيدي تعبث به، ستكون النتيجة كارثية إن لم تكن هناك يد تقاوم ويد تقدم الجيد والمتميز في مواجهة هذا المُنتج الرديء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.