رضا سُليمان يكتب | كيف نصنع الترند؟!
صناعة الترند، صناعة النجم، أصبحت صناعة مكتملة المعالم، وبينهما فارق بسيط، ولكل منهما عدد من مقومات النجاح، على رأس هذه المقومات، المضمون أو المحتوى، إلا أنه وفقًا للمعايير المستحدثة، ووفقًا للقدرات الخاصة التي تتمتع بها آلة الصناعة الخاصة بكل منهما، أصبح المضمون أو المحتوى في ذيل قائمة مقومات النجاح صناعة الترند، بينما يحتل مكانة متوسطة في قائمة مقومات صناعة النجم. لكن دعونا نتعرف على معنى مصطلح الترند trend ثم نوضح الفارق بينه وبين صناعة النجم.
الترند في الأصل هو اتجاه تحرك أسعار البورصة، وإن كان الاتجاه هابط يُطلق عليه “اتجاه الدببة”، وإن كانت الاتجاهات صاعدة عُرِفت باسم “اتجاهات الثيران”، وبالتالي فإن الترند لا يرتبط باحتلال القمة كما هو متعارف، فمن الترند ما هو هابط أو هو السقوط نفسه، ولنسر مع المتعارف عليه ونعطي تعريفًا عامًا لكلمة “ترند” فنقول: هو كل موضوع يحتل قمة النقاش المجتمعي ليحتل قمة قائمة النقاشات هذه، الخلاصة هو أمر يحتل حيزًا كبيرًا ويُثير لغطًا ما سواء بالقبول والاستحسان أو بالرفض والإدانة، فإذا ما وصل موضوع ما ليحتل ساحة النقاش ثم يصعد ليعتلي أعلى قائمة هذا النقاش يتحول إلى ترند.
قديمًا كان الترند يجد صعوبة في الانتشار وبالتالي كان عددها قليل وعلى فترات زمنية متفاوتة لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة خلال العام، أما اليوم ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل أن يظهر كل ساعة ما يحتل قائمة النقاش، أي يكون ترند لمدة ساعات أو يوم أو أسبوع لو كان أمرًا مثيرًا للغاية، ذلك أن الترندات الجديدة تطمس القديمة وتدفنها طي النسيان كل ساعة. هنا نصل إلى سؤال مهم وهو هل الترند يصنع نجمًا؟ وهل صناعة النجوم هي نفسها صناعة الترند؟
باختصار شديد صناعة الترند قد تصنع نجما لكن في أضيق الحدود، أي أن الترند لا يؤدي إلى صناعة النجم، أما صناعة النجم يلزمها صناعة الترند، (وهنا نتحدث عن صناعة النجم الفجائي، أي الذى يهبط إلى الساحة بباراشوت كما يقال وليس النجم الذى صعد سلم النجومية درجة درجة) فكثيرا ما نجد ترند يحتل القمة ولو لعدة أيام ثم يختفي ولا يترك خلفه غير السخرية، الأمثلة كثيرة وتستطيع أن تتعرف عليها عبر البحث على جوجل، وهناك ترند يصنع لنا نجمًا حيث تثار قضية ما حول “س” فتسلط عليه الأضواء ويحتل قمة الترند وخلال هذه الفترة قد يتلقى عروضا للمشاركة في أعمال فنية أو برامجية، من ذلك مثلًا نجوم برامج الكوميديا والطبخ الذين انتقلوا من صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي إلى اليوتيوب ثم إلى الفضائيات. صناعة النجم يلزمها في البداية احتلال قائمة الترند ثم الاستمرار ثم تعاقدات متتالية حتى يتربع النجم فوق القمة، وصناعة النجوم أمر متعارف عليه عالميا، حيث تثار بعض النقاط الخلافية حول هذا الشخص أو حتى هذا العمل، ثم يحدث النقاش بين هجوم ودفاع، شد وجذب، مع أو ضد، وتتعاون كافة الوسائل في إبراز هذا النقاش الذي يصنع النجم، فتجده على صفحات التواصل، وتجده عبر أثير الإذاعات، وتجده على الشاشات، وبالطبع يحتل الحوارات والنقاشات المباشرة في وسائل المواصلات والمقاهي، والأمثلة كثيرة في مجال السينما والأغاني وكرة القدم وحتى في دنيا الأدب وعالم الروايات يحدث هذا، لكن دائما البقاء للأفضل. وهنا نصل إلى أصل الموضوع وهو مَن يصنع الترند؟ الإجابة باختصار شديد أن صُنَّاع الترند هم المشاركون في تصعيده إلى القمة، أي الجماهير، فلو لم يجد النقاش الجماهيري لما صعد إلى القمة وما أصبح ترندا، وغالبية هؤلاء يشاركون في تصعيد هذا الحدث أو ذاك إلى قمة الترند يكون عن طريق رفضهم وشجبهم واستنكارهم له، وكثيرًا ما يُعرف الحدث أو موضوع الترند من كثرة ما كُتِبَ عنه من رفض واستنكار، ومما يؤخذ علي الأغلبية مشاركتها في صناعة هذا الترند بدون قصد ثم الرفض بعد تصدره القائمة، فأنت تشارك في صناعة الترند ولو برفضك واستنكارك، مجرد مشاركتك في هذا النقاش الدائر هى مشاركة في صناعته، فلا تأتى بعد قليل تكتب لتشجب صعوده، لأنك أيضًا ما زلت تساعد في صعوده بهذا الشجب.
لا شك في أن هناك أصحاب مصالح في تصدر موضوع ما قائمة الترند فيساعدون في نشره بكل ما يمتلكون من قوة. أما عن وسائل “ركوب التيرند” في كثيرة لكنها في مجملها تتفق في جزئية أساسية وهي الخروج عن المألوف، فقد تظهر في كلمات أغنية، في الملابس، في استعراض، في قص الشعر، ولم يبتعد بعض رجال الدين بأنفسهم عن الترندات حينما يظهر ليدلو بدلوه الغريب في أي قضية ليثير اللغط ومن ثمَّ يتحول إلى “ترند”، في النهاية أنت ومن خلال مشاركتك في أى موضوع سواء بالإيجاب أو بالسلب فأنت تصنع الترند.