زياد عبد التواب يكتب | الفيسبوك عام 1971
استيقظت صباح الجمعة شاعرًا بعدم اتزان وضيق صدر… ربما لطول السهر الليلة الماضية مع برودة الجو… تذكرت أن اليوم هو يوم الجمعة… أحضرت لوحة فارغة من اللوحات الكثيرة المتاحة… كتبت عليها بالبنط العريض “جمعة مباركة”… مع رسم لمسجد ومجموعة من الأزهار… انطلقت باللوحة الي النافذة… ناديت علي حارس العقار… ابتسم لي ابتسامة اعرف معناها… يريد أن يقول إن هذا ما يحدث كل جمعة… قذفت له اللوحة بدون أن أرد حتى الابتسامة… راقبته وهو يقوم بلصقها على حائط العقار الذي أقطن فيه مع كتابة اسمي كاملا وصورة صغيرة لي بجوار اللوحة…
انطلقت الي المطبخ… لا يمكننني أن أعيش بدون فنجان القهوة الصباحي… وضعت كل شيء على النار… وقفت أراقب القهوة… خطر ببالي أن أقوم بتأدية صلاة الجمعة اليوم في مسجد السلطان حسن… ذهبت إلى مكتبتي للاطلاع على بعض المعلومات عن هذا المسجد… تذكرت القهوة فوجدتها قد اطفأت شعلة الموقد… صببت البقية الباقية في كوب صغير… أحضرت لوحة جديدة وكتبت عليها “دلق القهوة خير… الحمد لله”… ذهبت الي النافذة… ناديت علي حارس العقار… الخ.. أحضرت لوحة جديدة… كتبت عليها إنني سأصلي الجمعة في مسجد السلطان حسن… السلطان المملوكي الذي قُتل وعمره لم يتجاوز الـ 32 عاما… ناديت علي حارس العقار… الخ
توضأت وصليت ولبست ونزلت مسرعا… المواصلات هادئة وغير مزدحمة هذا الصباح… ركبت الاوتوبيس… جلست وبالصدفة وجدت أحد أصدقائي جالسًا… ناداني مستهجنًا ذهابي للمسجد بدونه… دعوته للمشاركة مع اعتذار له… فاجأني بالرفض قائلًا إنه يصلي كل جمعة في مسجد سيدنا الحسين… عاتبني لعدم إعجابي بلوحاته وخاصة اللوحة الأخيرة له بجوار المقام… وصلنا لميدان القلعة… نزلت مسرعًا… وجدت حولي عدد كبير من اللوحات… بعضها يطالب بالحرب والبعض الاخر يطالب بالتروي… تذكرت أن هذا العام هو عام الحسم… اخرجت لوحة وكتبت فيها “التروي أفضل من الاستعجال… النصر ات لامحالة”… لصقتها بالميدان بجوار اللوحات وهرولت مسرعا الي المسجد… صليت الجمعة وتجولت به حتى قرب صلاة العصر… أخرجت لوحة كتبت عليها “الجمعة والعصر في السلطان حسن والرفاعي”… لصقتها بالخارج… توجهت الي لوحتي السابقة الخاصة بعام الحسم… وجدت العديد من الاصدقاء يتفقون معي في الرأي… الحرب تحتاج لإعداد جيد… لا يجب ان ننساق بالعواطف فقط…
شعرت بالجوع فأخرجت لوحة اضافية كتبت عليها أني اشعر بالجوع وأفضل أن اتناول طعام الغذاء بأحد محال الكباب بالغورية… لصقت اللوحة وتسللت خارجا من المسجد… ركبت الاتوبيس مجددا… في شارع الازهر نزلت… تجولت بين النحاسين والصاغة وخان الخليلي قبل أن أعبر الطريق إلى الغورية… أعرف مطعم ممتاز هناك… لم أتوقف عن كتابة اللوحات ولصقها… ومتابعة لوحات الأصدقاء والأعداء أيضًا… استمريت هكذا حتى انتهيت الي المنزل في المساء… تناولت مشروبًا ساخنًا ولم أنس أن أكتب لوحة عن طعمه وما أحدثه لرأسي الذي كاد أن يُصاب بالصداع… كتبت لوحة أخيرة عن مجمل اليوم وأنني سأخلد للنوم فورًا… ناديت علي حارس العقار… الخ.