زينب محمد عبد الرحيم تكتب | شم النسيم وأسطورة الخلق المصرية

0

يحتفلُ العالم بشم النسيم وأعياد الربيع وكما هو متعارف عليه إنَّ شم النسيم مرتبط بمصر القديمة حيث ربط المصري القديم فصل (شمو) بالأعياد والأفراح و الاحتفالات الخاصة بموسم الحصاد وكان لذلك الفصل أهمية كبيرة دينيًا واجتماعيًا واقتصاديًا في مصر القديمة , ولكن الجانب الأهم هو فلسفة المصري القديم وانعكاس تلك الفلسفة الروحية على الأعياد وتلك الفلسفة استمدها المصري القديم من تأمُلاته في الكون
ولم تكن محض تأمُلات مسطحة بل كانت تأمُلات كونية فلكية ,وهذا أمر منطقي جدًا فكيف للمصري القديم أن يعرف السنة والتقويم وتقسيم الفصول دون الاعتماد على نظام فلكي صارم وضع أسسه ونسج حوله تصورات عديدة عن خلق الكون.
أسطورة الخلق والبيضة الكونية
’’ليست الأسطورة مجرد حكاية خرافية ,بل هيّ منهج فكري استخدمه الإنسان القديم ليعبر عن نظرته للكون ,بدء الخليقة ,نظام الكون ,الصراع الآزلي بين الخير والشر ..إلخ ويطرح تساؤلاته عما يراه من تناقضات تشوب هذا التناغم الكوني الرائع الذي إبتدعه الإله الأعلى’’
وهذا ربما يُعطي فكرة عن طبيعة الأساطير المصرية القديمة ونظريات الخلق المتعددة , والتي من أبرزها نظرية (البيضة الكونية) وهي أحد رموز علم نشأة الكون في مصر القديمة نشير لها يإجازٍ فهذه النظرية خاصة بالآشمونيين (هرموبوليس) وكان أهم الآلهه (توت) , (الثامون) – مخلوقات الهيولي الأزلية ثم كونوا معًا البيضة الأزلية, فنقرأ :
“في ظلام والدهم نون ,ولما كانت البيضة قد خُلقت قبل انبلاج النور ,فلم تكن مرئية وطائر النور قد خرج منها ”
ونقرأ في كتاب الموتى تعويذة 58 : (انا الروح ,خُلقت من المياه الأزلية ,كان عشي خفيا وبيضتني سليمة) وذلك لأن البيضة تكونت في وقت سابق لعملية الخلق .
فقد نشأ هذا الكون من العدم وهو محيط الأزلي (نون) الذي يخلق الروح الأصيل ,صور الخليقة المستقبلية ثم تنبثقت منه البيضة الكونية ومنها كان مولد رع .
فقد رأى المصري القديم في البيضة رمزًا لقصة الخلق والنشأة الأولى وكان تجدد الحياة الزراعية في عيد شم النسيم هو تكرار لخروج النور الإلهي (رع) من البيضة الكونية
ولذلك كان البيض من أهم رموز الاحتفال بعيد الربيع .
وأتعمد أن أُضيف معلومة علىَّ ذِكر (البيضة الكونية) إنَّ الراهب والعالم جورج لومِتر عَالم الفيزياء الفلكية المتوفىّ عام 1966 وضع نظريته عن الكون والانفجار العظيم فيى جملة موجزة
(البيضة الكونية انفجرت عند لحظة الخلق) وهذه النظرية ببساطة تُثبت أنّ الكون في حالة تمدد وربما هذا المبدأ الكوني أوقع عالِم الفيزياء إينشتاين في خطأ فادح حيث أنه صاغ نظريته الكونية بناءً علىّ إن الكون ثابت وفي حالة سكون وفشل في التنبؤ بتمدد الكون .
وتلك الإشارة سالفة الذِكر لتوضح إن نتائج العلوم الحديثة نسبيًا توصلت لتصورات المصري القديم التي يُفسرها الكثيرون على أنها مجرد أساطير ,لكن الواقع يُثبت أنَّ قوة الفكر المصري القديم قاومت الزمان والمكان و مارست تـأثيرًا أيضًا على العادات والمعتقدات الشعبية .
وهناك نماذج من بيض النعام وقد حُفظ في متحف النوبة بمصر ومن ضمن تلك النماذج بيضة حُفر عليها منظرًا للأهرامات الثلاث , والجدير بالملاحظة أيضًا إنَّ اسم إيزيس بالخط الهيروغليفي فيه رمز البيضة ربما لأنها تُعبر عن الحياة والأمومة ,ونجد في ترنيمة إخناتون :
أنت الذي يُنبت البيوضات في النساء وتجعل من الماء إناسًا
وتُكلم الكتكوت في بيضتهِ الذي يتكلم من قشرتهِ تُعطيه الهواء فيها لكي يعيش
وتُقدر لهُ الوقتَ ثم تَكسِرُ القشرةِ ليخرُج منها
ويخرُج مِنّ البيضةُ ويُنقنِق في وقتهِ.
ومن هذا الفكر نشأ الأهتمام بعنصر البيض داخل الاحتفال بشم النسيم وارتبط أيضًا بأعياد الحصاد فكان المصري القديم يجمع بيض الطيور مثل الحصاد تمامًا ,والجدير بالذكر إنّ المصري لم يعرف الدجاج بل عرف الأوز (ميديوم) وعرف النعام وبيضه و كان هناك جدارية توضح طيور أبو قردان والفلاح المصري يجلس و البيض قد جُمع في السلال .
وعيد الحصاد ارتبط أيضًا بأوزيريس حيث اعتبره المصريون رمز الفيضان يتبعه موسم الزراعة ,وأثناء موسم الحصاد يتم الاحتفال أيضًا بأوزيريس لأنه رمز الخير والنماء في عقيدة المصريين القدماء , وعندما نتأمل مناظر موائد القرابين أو بعض مناظر الخدم وحاملات القرابين سنجد الخس والبصل الأخضر بكميات كبيرة ويشكل عنصر أساسي على مائدة المصري القديم وحتى اليوم يأكله المصريون بشكل دائم ويُعتبر الخس والبصل الأخضر من العناصر الرئيسية على مائدة المصريين في شم النسيم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.