زين اليوسف يكتب | أولويات مريم العذراء

0

القاريء المتمعن لقصة السيدة العذراء سيجد أن تلك القصة قد لخصت بشكل مُذهل الغاية من خلق المرأة و أولويات الأنثى الحقيقية بحد ذاتها من وجهة نظر الرب و الأنثى و ليس من وجهة نظر الرجل..فمريم لم تتزوج و لم ترتبط بأي علاقة جنسية مع الجنس الآخر..ليس لأنها نُذرت للرب منذ طفولتها كما سيعتقد البعض و لكن لأنها حتى بعد أن أنجبت السيد المسيح كانت قد حققت فعلياً ما تصبو إليه كأنثى و هو أن تصبح أماً و هو الأولوية لديها كما لدى “أغلب” النساء..لهذا نجد أن الرب لم يظلمها..فهو خلقنا و هو يعلم أن هناك ما يمكننا العيش من دونه و ما لا يمكننا أن نفعل ذات الأمر معه.
ولكن في مجتمعاتنا العربية و خاصة في اليمن يُنظر إلى الفتاة التي ترفض الارتباط و الزواج بنظرة شك في أخلاقياتها أو في قواها العقلية في أفضل الأحوال..و لكن الجميع لا يكلف نفسه عناء التمعن في تنوع خلق الرب لعبيده..فالرب الذي خلق المسلم و خلق المسيحي و خلق اليهودي و خلق الرهبان و المتصوفين أيضاً خلقنا بنفسيات متنوعة..فهناك من يشعر باكتماله النفسي و الفسيولوجي بلا زواج و هناك من لا يستطيع أن يعيش دون أربع نساء تحت سقفه..فلو قلنا أن الطبيعي في خلق المرأة أن تتزوج و أن أي شيء ما عدا ذلك هو أمر غير طبيعي إذاً فالله كان ظالماً و داعم للمنهج “الغير” طبيعي عندما قبل رهبانية السيدة مريم و لم يمنحها السيد المسيح بالطريقة الطبيعية عن طريق الزواج فالإنجاب.
البشر يكثرون كثيراً من تصنيف الآخرين و لا يتوقفون للحظة فقط للتفكير بأن الله لا يكرر نفسه في مخلوقاته..فهو الذي خلقنا و هو الذي جعل طبيعتنا مختلفة و لم يأتي أحد مثلاً بطبيعته الخاصة من المريخ!!..لهذا أجد أن فكرة حصر المرأة في الزواج و أي شيء عدا ذلك يصبح تهمة تلاحق صاحبتها أمراً مثيراً للسخرية..و كأن البشر الذين يصرخون دوماً مطالبين بحريتهم الشخصية يمارسون الديكتاتورية التي يثورون ضدها عندما يتعلق الأمر بأن ترفض أي امرأة أن تكون كما هي و ليس كما يريده الآخرون لها.
نعم أرفض الزواج و أجد نفسي مكتملة من دونه..فلم أشعر يوماً أني ناقصة عقل أو دين أو عاطفة كنتيجة لهذا الرفض..و لا أجد أنني يجب أن أرتبط فقط لأحمي نفسي من اعتقاد الآخرين بأن الفتاة التي لا ترتبط هي إما معوجة السير أو قبيحة الشكل..الفتاة يجب أن تفكر في الارتباط عندما تشعر أنها بحاجة لهذا الأمر..فأنت عندما تفكر أن تكون سعيداً تسعى جاهداً لتحقيق ما سيوصلك لهذا الأمر..و لكن إذا كنت سعيداً سلفاً فلماذا تبحث عن أمر لإرضاء الآخرين فقط دون قناعة كاملة به!!..لماذا أرتبط فقط لأن الآخرين يُريدون أن يروني أحيا حياتي مثلهم و لا أرتبط لأن هناك من تمكن من إقناعي بأن الأمر يستحق المخاطرة!!.
الملاحظ أن المجتمع يحترم و لو ظاهرياً قرار الرجل الرافض للزواج..فهو أن كان يراه ناقص الرجولة من خلف ظهره بالطبع فأنه أمامه يحترمه و يقدره و يحترم قراره دون أن يصفه بأي نعوت..و لكن الفتاة التي تقرر “ذات” الأمر نجد أن النعوت تكاد تتصارع لوصفها و ليس بوصف “عانس” إلا بأقلها وطأةً على العقل و الروح و ما أستطيع أن أذكره هنا.
أنه مجتمع صعب، لا يحترم أي قرار يتخذه أحد أفراده و لا يحترم حتى أسبابه..فهو يبنى ذلك الاحترام فقط على “جنس” صاحب ذلك القرار..و لكن الشكر للرب الذي اختار مريم العذراء ليُفهم الآخرين ما هي أولوياتنا و لكن من يُصغي للرب؟؟..لا أحد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.