سامي جعفر يكتب | طبقة رأسمالية مصرية.. معضلة تبحث عن حل
تفتقد مصر وجود طبقة رأسمالية أصيلة أو بنوك قادرة على تأسيس اقتصاد وطني قوي مبدع يمول الخطط والأفكار القادرة على إحداث نقلة نوعية لكنها أي مصر شبه محتلة من مافيا الاحتكار والاستيراد، التي تكدس الثروات على حساب استقرار البلاد ومستوى معيشة المواطنين، ما يشكل ضغطا على صناع القرار في الدولة.
ولم تكن الدولة جاهلة بطبيعة الرأسمالية المحلية إذ حاولت تطوير دورها وتحويلها إلى قوة مضافة، لكن هذه الطبقة رفضت هذا التوجه على مدار 70 عاما بسبب عدم قدرتها على الانقلاب على تكوينها الهش وولائها للقوى الأجنبية صاحبة الفضل في وجودها.
بدأت أولى محاولات الدولة لتغيير طبيعة الرأسمالية المحلية في الأيام الأولى لثورة 1952 عندما أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بتحديد الملكية الزراعية بهدف دفع كبار الملاك لاستثمار ثرواتهم في قطاع الصناعة وكانت النتيجة الاتجاه إلى القطاع العقاري الذي تمسكت به رغم صدور قوانين تحدد إيجار العقارات والأراضي الزراعية ما يقلل من العوائد المالية لهذه الثروات الثابتة.
وفي عام 1977 صدر قانون رأس المال العربي والأجنبي الذي أسس لطبقة المستوردين والمحتكرين فيما بعد.
وفي بداية تسعينات القرن الماضي اتجهت الدولة لخلق طبقة رأسمالية بتمويلها من البنوك لكن العملية فشلت بسس مخالفة مديري البنوك للضوابط المصرفية واستغلال رجال الأعمال هذه الأموال الضخمة في مشروعات استهلاكية وقائمة على الاستيراد، ولولا براعة الجهاز المصرفي واحتياطاته الضخمة لشهدت البلاد كارثة رهيبة.
وفي عام 2010 صدر قانون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية كمحاولة ثالثة لخلق الطبقة الرأسمالية من خلال الدخول في مشروعات تجعلها تتفاعل مع الدولة والمواطن وفق ضوابط أكثر صرامة وأمانا لكن أحداث 2010 وما بعدها أجلت تطبيق القانون ثم تم تفعليه بعد تعديلات على لاحته التنفيذية تخالف فلسفته.
في نهاية المطاف باتت مصر بلا طبقة رأسمالية تدفعها للتقدم وتشكل دعما لصانع القرار وذراعا طويلة للدولة، كما أصبحت البلاد نهبا لشبكات الاحتكار والاستيراد القادرة على الهروب بثرواتها في دقائق والتي لا تكترث بمعاناة المواطنين حتى لو وصلت إلى حد الانفجار.
اللافت أن مؤسسات المجتمع المدني المعبرة عن قطاع الصناعة والتجارة لم تبذل مجهودا محسوسا للبحث عن حل لهذه المعضلة وأقصى ما يمكن أن تمارسه هو الدفاع عن المصالح المحدودة وقصيرة الأمد لأعضائها، كما أن مواقفها السلبية من وجود نسبة ضخمة من القطاع الصناعي والتجاري خارج الإطار الرسمي للاقتصاد تدعو للدهشة وتحتاج إلى إجابة شافية.
تخليق طبقة رأسمالية معضلة تحتاج إلى إرادة وإبداع في التخطيط، وضمانات مقنعة لأصحاب الثروات وفي نفس الوقت لا يمكن إنفاق مزيد من الوقت لمطاردة هذه الطبقة والأفضل أن تتبنى الدولة توجها مختلفا لتحقيق نفس الهدف مثل دعم الشركات الناشئة وفق خطة مدروسة بعناية ومتابعة دقيقة ولعل في التجربة الصينية التي أدت لظهور شركات مثل هوواوي، مثال واضح وكاف.
ووسط هذا الواقع المؤلم توجد شريحة ضئيلة من المستثمرين المحليين لا يمكن إنكار دورهم لكنهم لا يمثلون إلا نماذج محدودة التأثير مقارنة بحجم الاقتصاد المصري إلا لو كانوا جزءا من فكرة أعمق.. فهل هناك حل لهذه المعضلة؟.
• سامي جعفر، سكرتير تحرير صحيفة “المصري اليوم”