سعد سوسه يكتب | مقاومة الغزو البرتغالي في الخليج العربي (1)

0

جعل البرتغاليون انفسهم، لمدة تزيد على القرن، سادة الموانئ الرئيسة على جانبي الخليج العربي، فكانت هرمز على الجانب الشرقي، ومسقط والبحرين على الجانب الغربي، قواعد ارتكازهم الاساسية، واستخدموا مركزهم قدر الامكان لمنع اية سفينة اجنبية اخرى كانت تحاول التجارة فيه، واصبحت سفن البرتغاليين تسيطر على مياهه، واصبح حكامهم ينظمون تجارته باجازات يمنحونها، لذا كان من المتعذر على أي من القوى المحلية تحدي قوة البرتغاليين البحرية خلال تلك المرحلة، ولكن العمانيين لم يستسلموا للاحتلال، فقد اندلعت سلسلة من حركات المقاومة في مناطق الساحل، ابتدأتها قلهات سنة 1519، بزعامة شهاب الدين، وسرعان ما اصدر القائد البرتغالي في هرمز دوم كارسيا Dom Garcia اوامره بالتحرك نحو قلهات لاخماد الانتفاضة فيها، ونتيجة لمناعة قلهات واستبسال سكانها، اضطر البرتغاليون الى طلب نجدات اضافية، تصدى لها السكان العرب في الميناء، والحقوا بعدوهم خسائر عديدة، ولمواجهة هذا التحدي الخطير، سارع نائب الملك بالتوجه نحو ميناء مسقط، على راس اسطول مؤلف من ثلاث وعشرين سفينة، للقضاء على الانتفاضة، وتمكن من ذلك، بعد ان وعد سكانها برفع الظلم عنهم .

وعلى الرغم من فشل انتفاضة قلهات الا انها شجعت العرب على القيام بثورات اكثر تنظيماً واتساعا، ففي عام 1521 اندلعت ثورة في هرمز ضد البرتغاليين، امتدت الى الساحل الغربي والبحرين، بسبب تعسف البرتغاليين وتعيين موظفين برتغاليين في تلك الموانئ بدل العرب، وبخطة محكمة اعدّها حاكم هرمز، تمكن من تشتيت القوة البرتغالية المتواجدة في هرمز، اذ طلب من قائد الاسطول البرتغالي ارسال بعض قطعه البحرية لمواجهة اعمال القرصنة في بعض مناطق الساحل العمانية، وبهذه الخدعة تحرك نصف الاسطول المرابط في هرمز، وتمكن المهاجمون من الاستيلاء على سفينتين برتغاليتين كانتا على الساحل والقضاء على القوة البرتغالية المتبقية في المدينة، واللافت للنظر في ثورة هرمز عام 1521 وبقية موانئ الساحل العماني، التنسيق المنظم بين العرب هناك، وبين عرب الاحساء والقطيف، فقد امتنع الشيخ مقرن بن زامل امير الجبور(الجبور : تعود في اصولها الى قبيلة (زبيد) التي سكنت اليمن، ثم غادرتها الى نجد ثم الى الاحساء، حيث انشاوا لهم دولة في القرنين التاسع والعاشر الهجريين وبعد جفاف المنطقة وتزايد الصراع بينهم وبين بني تميم هاجروا شمالا نحو تيماء، بينما توجه قسم اخر منهم الى شواطئ الخليج العربي وعمان وجنوب العراق واتخذت قبيلة الجبور اسمها من جدها (جبر) وهو جدّ (العبيد) و(العزة))، عن دفع الجزية السنوية للبرتغاليين، وعندما طالب البرتغاليون امير هرمز بها، رفض دفعها بحجة تبعية البحرين، والقطيف لامير الاحساء، لذلك انفصلت عنه، ثم بدا الامير مقرن بالتعرض للسفن البرتغالية التي تبحر بين هرمز والبصرة، بواسطة عدد من المراكب غير الشراعية .
وللقضاء على تهديد امير الاحساء والبحرين والقطيف، اعد البرتغاليون حملة بحرية، مؤلفة من سبع سفن واربعمائة محارب، نجحت في احتلال البحرين، بعد مقتل اميرها مقرن بن زامل، ووضع البرتغاليون حامية في قلعتها بعد ترميم ما تهدم منها .
لمواجهة ثورة هرمز، وصلت تعزيزات برتغالية جديدة إلى قلهات مكونة من ثماني سفن، للانتقام من العرب الثائرين فيها، واستطاع الاسطول هزيمة الثوار في منطقة (الوادي الكبير) وخضعت قلهات مرة اخرى للسيطرة البرتغالية، ثم توجه الاسطول البرتغالي الى صحار ودمرها تدميراً تاماً، ومنها تقدم نحو هرمز، وبمزيد من الامدادات العسكرية من حامية مسقط تمكن البرتغاليون من فك حصار الحامية البرتغالية في هرمز، ولما عجز حاكمها عن التصدي لهم اشعل النار في المدينة لمدة اربعة ايام، هرب بعدها الى جزيرة قشم، حيث اغتيل هناك، وحل محله في السلطة محمود الشاه، البالغ ثلاثة عشر عاما، ومعه وقع البرتغاليون معاهدة في ميناء على نهر ميناب عام 1523، مهدت لتشديد قبضة البرتغاليين على هرمز.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.