سعد سوسه يكتب | مقاومة الغزو البرتغالي في الخليج العربي (3)

0

منيت حملة عام 1553، التي قادها والي القطيف مراد باشا بالفشل الذريع بعد أن تصدى الأسطول البرتغالي للأسطول العثماني القادم من البصرة، مما دفع السلطان العثماني سليمان القانوني الى ان يعهد بمهمة اعادة الاسطول العثماني، من البصرة الى السويس الى سيدي علي الريس افضل قباطنة البحر العثمانيين، فجهز الريس اسطولا من خمس عشرة سفينة، انطلق به من البصرة، قاصدا موانئ الساحل الشرقي في الخليج العربي، ومنها توجه الى القطيف فالبحرين، بعدها تحرك نحو هرمز، وهناك التقى بالأسطول البرتغالي، المؤلف من خمس وعشرين سفينة، بالقرب من خورفكان، وجرت معركة عنيفة بينهما عام 1554، انسحب عن اثرها الأسطول البرتغالي الى هرمز، بينما تابع الاسطول العثماني سيره نحو مسقط وقلهات، ومرة اخرى التقى بالأسطول البرتغالي، الذي اعاد تجهيز قطعاته وزاد عددها، ووقعت بينهما معركة قصيرة، انتهت باستسلام ستٍ من سفن الاسطول العثماني، عندها قرر سيدي على الريس الانسحاب، لينجو بما تبقى من اسطوله، فجرفته عاصفة قوية الى ساحل كرمان، وبعد ان تزود اسطوله بالماء العذب قصد موانئ اليمن لكن الرياح الشديدة قذفت به مرة اخرى الى ساحل الهند الغربي، فوصل كجرات، وهناك تفرق عنه رجاله واضطر الى بيع السفن (الست) المتبقية، بمدافعها وذخائرها الى حاكم سورات المسلم وعاد برا الى اسطنبول عن طريق بغداد، فوصلها عام 1557، أي بعد ثلاث سنوات من بداية، رحلة العودة الى السويس، وكانت اخر محاولة عثمانية للسيطرة على الموانئ العربية في الخليج العربي سنة 1581، حين قام علي بك بغارة بحرية مؤلفة من (اربع) سفن، هاجم بها مسقط براً وبحراً، ونجح في مفاجأة الحامية البرتغالية في مسقط، وارغامها على الانسحاب نحو الداخل، ولكن علي بك سرعان ما انسحب بقواته دون تحقيق نصر حاسم، لكنه استمر بشن غارات جريئة ضد المستوطنات البرتغالية في شرق افريقيا الى ان وقع اسيراً بيد قائد الحامية البرتغالية في ممباسا دوم داسوزا كوتينهو عام 1589، ونقل الى لشبونة، وعلى الرغم من فشل العثمانين في تحقيق نصر حاسم على البرتغاليين في الخليج العربي، الا ان محاولاتهم شجعت القوى المحلية على مواصلة تحدي الغزاة .
استوجبت التحديات الداخلية والخارجية التي واجهت البرتغاليين، سعيهم إلى ترصين مواقعهم، وكانت مسقط أهمها، لذا قاموا ببناء قلعتين قويتين (وفي اشارة اخرى الى انشاء البرتغاليين قلعة الجلالي عام 1587، وقلعة الميراني عام 1588 في مسقط)، تتحكمان بميناء مسقط، أحداهما: قلعة (القديس غوا)، التي اعاد العمانيون تسميتها (الجلالي) و(الاخرى) : قلعة (فورت كابتن) المعروفة باسم (الميراني).
كان النظام الذي اتبعه البرتغاليون من اجل ضمان تحكمهم السياسي والتجاري في الموانئ العمانية، يتمثل بتعيين قائد برتغالي، تسانده قوة عسكرية مسلحة جيدا، تمكنه من الدفاع عنها، وكون البرتغال دولة بحرية أساسًا، منعها هذا عن محاولات التوغل الى الداخل، حيث مجموعات القبائل المعادية . وكانت قلهات تتزعم مسؤولية جمع الضرائب من باقي المدن العمانية وتقوم بارسالها الى ملك هرمز، ليسلمها للبرتغاليين، وكانت مسقط (تقع مسقط على بعد 30 ميلا من مضيق هرمز، الذي يشكل مدخل الخليج العربي، وعلى بعد 92 ميلا من رأس الحد، في اقصى الزاوية الشرقية من الجزيرة العربية )، وحدها تدفع اكبر مبلغ من الضرائب، مما يوضح مركز مسقط التجاري آنذاك.
ادى احتلال البرتغاليين لسواحل عمان، ومرابطة حامياتهم في خورفكان ودبا (دبا : مدينة تقع على الساحل العماني عند نهاية وادي التلدي)، ومسقط وجلفار (جلفار : امارة رأس الخيمة التي تقع في اقصى المنطقة الشمالية لإمارة الشارقة)، الى اثار سلبية في اوضاع العرب الاقتصادية في المناطق الداخلية، مما اجج الصراع بين قبائلها، وتنافسها على النفوذ، ولم يتورع بعض زعمائها من الاستعانة بالبرتغاليين، كما حصل حين استنجد حاكم صحار محمد بن مهنا الهديفي بالبرتغاليين لمواجهة خصمه امير سمايل عمير بن حمير، وبالفعل تمكن البرتغاليون من الاستيلاء على صحار وقلعتها سنة 1616 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.