سعيد جميل تمراز يكتب | سنوات من تأميم قناة السويس (3-4)

0

فكرة تأميم قناة السويس: لقد ظهر مبكراً اهتمام حكومة الثورة بقناة السويس، ففي أعقاب توقيع اتفاقية الجلاء، كُلفت إدارة التعبئة العامة بالقوات المسلحة بالعمل للحصول على البيانات اللازمة والمعلومات الكافية عن نشاط الشركة وإيراداتها، وفي الخطبة التي ألقاها الرئيس عبد الناصر في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954م، أشار إلى الفترة المتبقية من عمر الامتياز، وكيف ستكون فترة تحضير حتى يكون المصريون على أتم استعداد لإدارة القناة بعد تسلمها من الشركة، وقد أشار الرئيس اليوغسلافي “تيتو” أنه في اجتماعه مع الرئيس “عبد الناصر” في ذلك التوقيت، وبينما كانا على يخت في القناة، قال له “عبد الناصر”: “بأنه مادامت مصر قد أصبحت مستقلة، فلن يسمح بإدارة أجنبية على أرض وطنه، وانه سيؤمم شركة القناة، وأنه فكر في تمصير القناة من قبل عامين ونصف.
وأثناء لقاء الرئيس عبد الناصر مع وزير الخارجية البريطاني “سلوين لويد” في أول مارس 1956م، تطرق الحديث إلى أهمية قناة السويس، وذكر” لويد” أن بريطانيا تعدها جزءاً من مجمع بترول الشرق الأوسط، فبين “عبد الناصر” أن الدول العربية تتقاضى 50 % من أرباح البترول، في حين لا تتقاضى مصر سوى 5% من أرباح القناة، وأن المفروض أن تعامل مصر معاملة الدول المنتجة للبترول.
وهكذا يتبين أن الرئيس عبد الناصر، قد عقد العزم على اتخاذ خطوة التأميم كجزء متمم لأسدال الستار على النفوذ الأجنبي الذي عانت مصر منه طويلاً، واعتبر الرئيس عبد الناصر أن تأميم شركة قناة السويس، سوف يحقق إمكانية تمويل السد العالي، كما أن التأميم يلبي حقاً مصرياً يراود أحلام المصريين وهو أيضاً يؤكد الاستقلال المصري الكامل بما فيه استقلال الإرادة السياسية، وتأميم القناة أيضاً سوف يكون رداً كاملاً على سياسة الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وسوف يبين لهم أن مصر قادرة على الحركة، وأنها قادرة على تحمل المسئولية.
قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس:
رداً على قرار الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا بإلغاء تمويل مشروع بناء السد العالي، اتخذ الرئيس عبد الناصر قراره بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية التي كانت تمتلك أسهمها شركات بريطانية وفرنسية، التي ظلت تحتكر امتياز القناة والسيطرة على مواردها منذ اتمام حفر القناة عام 1869م، بينما مصر صاحبة القناة الفعلية والشرعية لم يكن لها دور يذكر في الادارة، ولم تحصل الا على مبالغ ضئيلة من ايرادات القناة التي بلغت 34 مليوناً من الجنيهات الاسترلينية عام 1955م، وكانت حصة مصر مليوناً واحداً.
وفي 26 تموز (يوليو) 1956م، حيث وقف الرئيس عبد الناصر في ميدان المنشية في الإسكندرية أمام مؤتمر شعبي حاشد ليلقي خطابه التاريخي، تعرض لمفاوضات مصر مع البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حول تمويل السد العالي ثم شبه “يوجين بلاك” رئيس مجلس إدارة البنك الدولي بـ “فرديناند ديليسبس” الذي انتزع جزءاً من السيادة المصرية بالضغط والإغراء، ثم حرص على أن يكرر اسم “ديليسبس” في خطابه 13 مرة، حتى يتأكد أن المهندس “محمود يونس” وهو مسؤول عن هيئة البترول المصرية والرجل الذي تم اختياره لإدارة قناة السويس، تلقى الإشارة المتفق عليها وتحرك، والحقيقة أن “محمود يونس” بدأ تحركه من اللحظة التي سمع فيها اسم “ديليسبس” لأول مرة، وعندما تلي الرئيس عبد الناصر أثناء خطابه “قرار رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس” كان “محمود يونس” قد سيطر على مبنى الشركة الرئيسي في الإسماعيلية، كما كانت المجموعات التي شكلها قد أمسكت بالمرفق الحساس كله وسط صدمة أصابت مديريها وموظفيها جميعاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.