في ظل الظروف الإنسانية الصعبة والمعقدة التي تشهدها فلسطين، يكتسب دور الأخصائي الاجتماعي أهمية وحساسية مضاعفة، فهو يعمل في خط الدفاع الأول لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد والعائلات المتضررة، والمساهمة الفعالة في التخفيف الازمة من آثار الحرب وتداعياتها، وبناء القدرة على الصمود في وجه التحديات الجسام.
ما هو التحدي الأكبر؟
يمثل غياب تشريع وقانون ينظم مهنية الأخصائي الاجتماعي ومزاولتها التحدي الأكبر الذي يواجه مأسسة العمل الإنساني وتنظيم المهنة في ميادين العمل، فعلى الرغم من الأهمية القصوى للتخصص والمهارات المهنية في العمل الإنساني، لا يزال يفتقر هذا المجال إلى نظام أو قانون موحد وضوابط صارمة تُلزم جميع العاملين فيه بأن يكونوا متخصصين ومؤهلين بشكل كامل، ويمثل هذا النقص تهديدا وعائقًا حقيقيًا يؤثر سلبًا على جودة وفعالية الاستجابة الإنسانية وتدخلاتها المهنية، ويعود ذلك لعدة أسباب وعوامل متداخلة منها:
• ضغوط والاستجابات الطارئة في مواجهة الحروب والكوارث والأزمات، غالبًا ما يكون التركيز الأولي على توفير المساعدات الأساسية بسرعة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتضررين، وفي هذه الحالات الطارئة، قد يتم تجاوز بعض المعايير المتعلقة بالتخصص والمهارات بسبب الحاجة الملحة للكوادر المتاحة. والمبادئين والمبادرين.
• الدور الحيوي للمبادرين والمتطوعين حيث يلعبون دورًا لا يقدر بثمن في العمل الإنساني، وغالبًا ما يكونون مدفوعين برغبة صادقة في المساعدة، ومع ذلك، فإن الاعتماد الكبير عليهم في مهام تتطلب مهارات متخصصة قد يؤثر على جودة التدخلات وتحقيق الأهداف المرجوة، ما لم يتم توفير التدريب والإشراف المناسبين لهم.
• تعاني المؤسسات الإنسانية من قلة الموارد وضعف ومحدودية المصادر والموارد المالية، خاصة الصغيرة منها أو العاملة في مناطق نائية، مما قد يعيق قدرتها على توظيف كوادر متخصصة مهنيًا بأجور تنافسية.
• غياب نظام رقابي موحد على عمليات التوظيف سمح بدخول أفراد غير مؤهلين إلى أدوار حساسة تتطلب مهنيين متخصصين في مجالات العمل الإنساني.
• تفضيل بعص المؤسسات تعيين أصحاب الخبرة الميدانية أحيانًا على التخصص الأكاديمي، فعلى الرغم من أهمية الخبرة العملية، إلا أنها لا تغني عن الأساس النظري والمهارات المهنية المتخصصة التي يوفرها التعليم والتدريب المنهجي.
إن غياب التشريع والضوابط المنظمة لسوق العمل الإنساني، إن صح التعبير، يؤدي إلى العديد من المشكلات الجوهرية التي تؤثر سلبا على مخرجات العمل ومنها التالي:
• تدخلات غير فعالة قد تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلًا من حلها، نتيجة لعدم فهم الديناميكيات المعقدة للأزمات واحتياجات المتضررين.
• أهدار للطاقات والموارد بسبب عدم استخدام الموارد المتاحة بكفاءة وفعالية لضعف قدرات العاملين وخاصة الذين لا يمتلكون المعرفة والمهارات اللازمة لتنفيذ البرامج بشكل صحيح ومدروس.
• عدم وجود متخصصين يتسبب في مخاطرة على سلامة المستفيدين حيث تتطلب العديد من مجالات العمل الإنساني حساسية عالية ومعرفة متخصصة لحماية المستفيدين من الأذى والاستغلال في أثناء تقديم الخدمة والتدخل مهنيا.
• عدم التعامل مع الاحتياجات المعقدة للمجتمعات المتضررة بشكل مهني ومدروس، فقد تتأخر عملية التعافي وإعادة البناء.
ما هو المطلوب من أجل مستقبل أكثر مهنية في العمل الإنساني؟
مزيد من الضغط وتنظيم وتوحيد الجهود بهدف تنظيم واقع مهنة الأخصائي الاجتماعي والنفسي والضغط لإصدار تشريع ينظم عملها ومزاولة المهنة، وعلاقات العمل ويضبطها بمعايير واضحة، وذلك بالتوازي والتكامل مع الجهود المتزايدة التي تبذلها بعض المنظمات الدولية لوضع معايير مهنية وتوفير التدريب للعاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك تطوير مدونات سلوك وبرامج تدريبية متخصصة وإرشادات حول أفضل الممارسات.
أخيرا: لا يزال هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهد لضمان تطبيق هذه المعايير بشكل شامل وفعال ومؤثر، بما يرتقي بواقع العمل الإنساني ضمن منهجية عمل واضحة وسليمة، خاصة أثناء تقديم الخدمة في الواقع الصعب والمعقد الذي نعيشه في فلسطين، إن وجود أخصائيين اجتماعيين وغيرهم من المهنيين المؤهلين يمثل ضرورة قصوى لتقديم الدعم المناسب للسكان المتضررين ومساعدتهم على تجاوز هذه الظروف القاسية واستعادة حياتهم وكرامتهم.