سلام ناصر الخدادي يكتب | بعيدًا عن الثقافة .. بعيدًا عن الكتاب

0

حينما نتصفحُ وسائلَ التواصل الإجتماعي ، يداهمنا بلا استئذان ، هذا الكم الكبير من النصائحِ ! والعدد الهائل من الأقوالِ والحِكَمِ والمواعظ! وتلك المقالات طويلها وقصيرها ، والمواضيع التي ما انفكت تدعو الى التعلّم والحرص على سلامةِ وسلوك الفرد وأسلوب حياته ! وكلما تصفحتَ أكثر ، ستتأكد وبلا أدنى شك ، بأنكَ أمام مجتمعٍ واعٍ غلبت عليه الثقافة وتطبّع بقيمها ، مادام كل مَن شاركَ بمنشورٍ وحكمةٍ أو نقلَ قولاً مأثوراً صار مثقفا !! وكل مَن رتّب بعض الكلمات المتقاطعةً .. صار شاعراً !!
وطبعاً ، ستحمد الله على نعمائهِ بأن حياتك صارت بين هؤلاء الجهابذة ! فهذا ينصحُ ، وذاك ينطحُ .. وهذا يقرأ وذاك يفسّر ! وآخر يحكي وذاك يكاكي ! أما جماعة الرؤوس الهزازة .. ستجدهم في كل مكان ! وحتماً ستجد نفسك تائهاً بين الناقل والمنقول ! والمضاف والمضاف اليه ! والدال على فعلِ الخيرِ كفاعله! وستندب حظك العاثر ، حينما تكتشف نفسك متأخراً بأن عمرك ضاع هباءً وانت تقرأ وتتابع وتحاور شعيط ومعيط وجرار الخيط ! وستكتشف فوراً بأن (جمهرة المثقفين) قد تبخروا ، في أية ندوة ثقافية أو علمية أو أمسية حوارية !!
كنتيجة حتمية للإبتعاد عن الكتاب والثقافة بشكل عام ، والإكتفاء بنقل ونشر بعض الأقوال أو العبارات أو فيديوات الدقائق المعدودة ، قد ولّدت فراغاً فكرياً كبيراً في مجتمعنا. كما أضمحلت الجلسات الأدبية والنقاشات الثقافية ، وجرى تسطيح تلك الأفكار وازدراء المنادين بها ! وابتكار أساليب التسقيط أو التسفيه بطرق ملتوية مقيتة للمثقفين وذوي الأفكار العلمية .. واستخدام مفردات بائسة يُنعت بها لمن يختلف فكرياً عن هذا أو ذاك ! ومن المفارقات المضحكة المبكية في آنٍ معاً .. هي: إنزواء الكتّاب والمثقفين بعيداً عن الأضواء درءاً للمشاكل والمهاترات، وعدم الجهر بآرائهم خوفاً من هجمات الطفيليين والذيول! يقابله نزول المهرجين والدجالين والنص ردن الى الساحة !! فلا عجب أن ترى متحرشاً يتحدثُ عن الفضيلةِ والحشمة ! وتافهاً يكتبُ عن أخلاقيات المجتمع المثالية !
ودجالاً فارغاً يبدأ بسلسلةِ محاضرات !! لا تنتهي إلا يوم القيامة ! وآخر قرأ كتابا صار يتحدث عن الغيبيات والمقارنة بين الأديان! والطامة الكبرى .. أن تجد بعض هؤلاء ، يضع كلمة (الباحث) قبل اسمه !! بينما يصّر الآخر على وضع كلمة (الأستاذ) قبل أن يكتب موضوعاً مليئاً بالأخطاء !! ولا أعلم ان كان يعرف انها درجة علمية ما بعد الدكتوراه ام لا !!! وتماشياً مع الوضع الوضيع .. ولأن (البيك ما يخليك) ! فما أن تكتب مقالاً ناضجاً ، أو موضوعاً مفيداً ، تحاول به تبصير من غفلت بصيرته ، وتوضّح لمن التبس عليه الفهم ، وتفسّر لمن تاهت به السبل.
حتى انهالت عليك التلفونات والمسجات الخاصة بين الرجاء والتوسل والـ…. بحذف المنشور ! وغلق هذا الباب لكي لا تثير حولك المشاكل !! وكأن السؤال الموّجه لكَ هو التالي: لماذا تريد توعية الناس ؟؟ دعهم نياماً !
ولا يعلمون إن الأقلام الحرة تكتب ، والأفكار المتنورة الخلاّقة تنتج دائماً ، والألسن الفصيحة تنطق بالحق أبداً.. هم يحاولون خنق الضياء ، ونحن نبدد ظلماتهم .. والصراع قائم منذ الأزل .. بين الحق والباطل. بين قوى الشر والظلام .. وبين قوى الخير والنور.. ولكل شيء ثمن ونـحـنُ نتحملُ دفعَ الثمن !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.