سمير زين العابدين يكتب | المدفعية المصرية في حرب أكتوبر
ظهرت المدفعيّة منذ أكثر من ألفي عام، وقت أن ظهرت الحصون والقلاع التي يحتمي بها المدافعون، وحيث لا تصلح السيوف والرماح للتأثير فيها فكانت المدفعيّة وسيلة تهدف الي فتح ثغرات في هذه المدن الحصينة، تندفع من خلالها القوات المهاجمة للنفاذ الي داخل المدينة، وادارة القتال.
بدأت المدفعيّة بظهور المنجنيق، وتطورت على مرّ السنين وتعدّدت مهامّها، الي الصورة التي نراها الآن قادرة علي صبّ كل أنواع النيران حتى النوويّة منها.
في حرب الاستنزاف، بدأت المدفعية في مرحلة إعادة البناء بعد أن فقدت معظم تسليحها في 67 متخذة عدة خطوات هامة فلقد قامت باختيار الضباط الأقوياء الأكفاء لتولي المناصب القيادية، وتوالي التدريب الشاق القاسي ليلًا ونهاًرا في صبر وعزم وقوة، وكان عليها أن تسبق الأسلحة الأخرى في الاستعداد؛ فهي الذراع الطويلة المتيسرة في وقتها وعلى عاتقها يقع العبء الأكبر في مرحلة الصمود والتصدي.
يوم 8 سبتمبر 1968، في هذا التاريخ من كل عام، تحتفل المدفعية بيومها الأبرز في التاريخ، في هذا اليوم قررت القيادة العامة للقوات المسلحة توجيه قصفة نيرانية مركزة قوية شديدة الكثافة على كل أهداف العدو على طول مواجهة القتال وبعمق حتى 20 كيلومتر وكانت أهدافها: تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في قوته البشرية وأسلحته ومعداته وتحصيناته. وتدمير خط الدفاع الأول الذي بدأ ينشئه العدو على شاطئ القناة. وفرض السيطرة النيرانية للمدفعية على جبهة القتال. ورفع الروح المعنوية للشعب والقوات وإثبات أن الجيش قد قام من كبوته ليقول كلمته في الصراع العربي الإسرائيلي.
استغلت القوات المسلحة فترة توقف القتال، في الاستعداد للحرب في جميع المجالات، وخلال هذه الفترة أتمت المدفعية استكمال تجهيز مسرح العمليات، واستكمال التسليح، وتكثيف التدريب على ظروف مشابهة لكل ما يمكن ان يدور فيها، وبخاصة في مراحل التمهيد النيراني، وعبور مانع قناة السويس والساتر الترابي الي شرق القناة، وتطوير الهجوم شرقًا.
خطط التمهيد النيراني بحيث تكون مدته قصيرة نوعًا ما، يتم خلالها تحقيق المفاجأة، وتحقيق أقصي كثافة نيرانية ممكنة، بما يكفي ويضمن تأمين عبور القوات للمانع المائي واستيلائها على الهيئات الحاكمة وفصل النقاط القوية عن بعضها. ولهذا خطط التمهيد النيراني لمدة 53 دقيقة تبدأ في الثانية وخمس دقائق، قبل اقتحام القوات للقناة بـ 15 دقيقة، وتستمر طوال تقدم القوات الي أن تصل لأهداف محددة، يشارك فيه كل الأسلحة المتيسرة.
يبدأ التمهيد بقصف النقط القوية، وبطاريات المدفعية، والاحتياطيات، ومراكز القيادة والسيطرة المعادية، لشلها ومنعها من التدخل ضد قواتنا وخاصة المفارز المتقدمة التي دفعت مع بداية التمهيد. ومن لحظة الاقتحام يستمر ضرب نفس الأهداف مع القيام بعمل ثغرات في موانع العدو في مواجهة النقاط القوية، وتدمير مواسير المواد الملتهبة التي جهزها العدو لغمر القناة بالنيران. ومع وصول القوات الي النقط الحصينة ترفع النيران عنها مع استمرار ضرب بطاريات المدفعية والاحتياطيات المختلفة، لمنع تدخلها.
مع إنتهاء التمهيد النيراني تبدأ فورا مساعدات المدفعية للهجوم والتمسك برؤوس الشواطئ وصد الهجمات والضربات المضادة، وقد أعدت لها خطة تفصيلية منفصلة، تشمل فيما تشمل المناورة بالنيران أو بقطع المدفعية وانتقالها من مكان الي مكان.
تمت المفاجأة المدوية علي أكمل وجه، في الساعة الثانية وأربع دقائق عبرت الطائرات المصرية من فوق رؤوسنا الي عمق العدو، وفي الثانية وخمس دقائق، صدر الأمر بالضرب، وبدأ تنفيذ التمهيد النيراني في اللحظة المحددة، وانطلق أكثر من 2300 مدفع ميدان ومتوسط وثقيل وصواريخ وهاونات تصب نيرانها علي حصون العدو ومدفعيته واحتياطياته. كان التمهيد النيراني من القوة بحيث أمكنه إسكات أكثر من 90% من بطاريات مدفعية العدو، ولم تتمكن من التأثير على قواتنا القائمة بالهجوم.
كانت كثافة النيران 175 طلقة في الثانية. وضُرب في التمهيد النيراني 100 ألف طلقة. وكان وزن الدانات التي أُطلقت 3 مليون كيلوجرام. وفي الدقيقة الأولي فقط أطلقت 10500 طلقة.