سنية الحسيني تكتب | أسرلة التعليم في القدس إلى أين؟ (٢)

0

إن مشكلة أسرلة التعليم في القدس لم تبدأ الآن، وإنما ما نشهده اليوم من الغاء لتصاريح عدد من مدارس القدس ما هو الا إجراء ضمن سلسلة من الإجراءات التي بدأت تتخذها سلطات الاحتلال تجاه المدارس الخاصة والأهلية والأوقاف، بعد أن نجحت في أسرالة التعليم لحوالي نصف طلاب المدينة الفلسطينيين، وخفض عدد مدارس “الاونروا” فيها. ففي العام التالي على قرارها بأسرلة التعليم في المدارس العامة الحكومية وشبه الحكومية في المدينة، سعت سلطات الاحتلال للتدخل في المدارس الخاصة والأهلية والاوقاف، من خلال منح تراخيص لتلك المدراس عام 2012، الأمر الذي سمح بدوره بحصولها على تمويل حكومي من دولة الاحتلال. في ذلك الوقت لم تكن تلك المنح مشروطة، الأمر الذي يفسر قبول معظم مدارس المدينة بها، حيث باتت تلك المنح تشكل حوالي 30٪ من مجمل ميزانية عدد من تلك المدارس. جاءت المرحلة التالية من مخطط الاحتلال في العام 2018 عندما وضعت سلطاته خطة خمسية لأسرلة كافة قطاعات المدينة العربية على رأسها قطاع التعليم، حيث رصدت تلك الخطة أكثر من ملياري شيكل لتحقيق أهدافها، كما قامت في العام التالي باغلاق مكتب التربية والتعليم الفلسطيني في المدينة. منذ ذلك الوقت بدأت سلطات الاحتلال بمراقبة وملاحقة مدارس المدينة لمساومتها بالتراخيص والمنح المالية التي تقدمها لها في مقابل اعتماد المناهج المشوهة للتدريس بدل مناهج السلطة الفلسطينية.

إن أسرلة التعليم وغسيل أدمغة أطفالنا ليست هي الطريقة الوحيدة التي يتبعها الاحتلال لمحاربة الانسان الفلسطيني وهويته في القدس وضواحيها، ففصل أحياء المدنية وحدودها بالحواجز العسكرية وقطع الطرق التي تحول دون وصول أطفالنا إلى مدارسهم بأمان، خصوصاً بعد بناء جدار الفصل العنصري وفصل القرى والبلدات المقدسية عن مدينة القدس، والاعتداءات والاغارات الممنهجة على مدارس المدينة، واعتقال وإبعاد الطلبة والمدرسين، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وعدم منح تراخيص البناء والترميم للمدارس لزيادة عدد الفصول فيها، بما يتناسب مع الزيادة السكانية الطبيعية، وتقليص عدد الأساتذة وتدني أجورهم مقارنة بمستوى المعيشة في المدينة وبنظرائهم في مدارس القدس العامة، ورفض الاعتراف بشهادة الثانوية العامة الفلسطينية، كلها وسائل يحقق من خلالها الاحتلال مخططاته.

في المقابل يوفر الاحتلال في المدارس الخاضعة لسلطته كل المقومات اللازمة للتعليم السوي، لجذب أكبر شريحة من الطلاب المقدسيين اليها، الأمر الذي يفسر تضاعف عدد المدارس التي تدرس المنهج الإسرائيلي في القدس أربع مرات ما بين عامي 2012 و2020، بينما تضاعف عدد الطلاب المقدسيين الذين يدرسون هذا المنهج إلى ست أضعاف خلال ذات المدة. أنتجت هذه الأجواء التعليمية المشوهة التي فرضتها سلطات الاحتلال على الطلاب المقدسيين حالة تسرب طلابي من المدارس، تزامنت بالإضافة إلى سياسة التضييق التي يفرضها الاحتلال على المدارس مع انتشار حالة من الفقر بين سكان المدينة الفلسطينيين، نتيجة سياسة منظمة ينتهجها الاحتلال بفرض ضرائب باهظة على المقدسي من ناحية ومحاصرتها لأي نشاط إقتصادي يقوم به من ناحية أخرى. وتبدو المفارقة الأكثر غرابة أن نسبة تسرب الطلاب الفلسطينيين من المدارس العامة التابعة لسلطات الاحتلال تصل إلى 50٪ بينما لا تتجاوز هذه النسبة الـ 13٪ في المدارس الخاصة والأهلية والأوقاف و”الاونروا” التي تعاني من ممارسات الاحتلال.

إنها حرب طويلة ومستمرة وشاملة، لن ينتصر فيها الا الأقوى إيماناً والأشد صموداً والأكثر عملاً وتخطيطاً. وليس أمامنا الآن الا مواجهة مخططات العدو، لأن التعويل على عامل الزمن أثبت فشله، فإسرائيل تستغل اختلال موازين القوة لتغيير الواقع الفلسطيني وفرض مخططاتها بشكل تدريجي ومبرمج بالاعتماد على عامل الزمن. أما فيما يتعلق بمواجهة مخططات أسرلة التعليم في القدس فيبدو أن المعركة قد بدأت لمواجهتها ليس فقط في المدارس الخاصة والأوقاف وإنما أيضاً في المدارس العامة. فعلى الحكومة الفلسطينية توفير ميزانيات خاصة كبيرة لمدينة القدس بشكل خاص وعاجل يبدأ على المستوى الأولى بتغطية نفقات تلك المدارس، لتمكينها من التخلص من عبء ميزانية وزارة التعليم الإسرائيلية التي سمحت لسلطات الاحتلال بمساومتها. وهناك حاجة ملحة لأموال إضافية لشراء أو استئجار مزيد من المدارس الخاصة المدعومة مالياً لتوفير تعليم غير مكلف لجذب طلابنا من المدارس العامة الحكومية وشبة الحكومية. وهذه دعوة مفتوحة للدول العربية لتفعيل قرارتها الخاصة بدعم القدس، فالحاجة أصبحت اليوم ملحة لنصرة أهلنا في بيت المقدس لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على هويتنا الفلسطينية العربية والإسلامية والمسيحية. وقد يكون هناك حاجة للتفكير بانشاء أطر للمدرسين والعاملين في مدارس القدس وآخرى خاصة بأولياء الأمور في تلك المدارس كي تعمل من القدس مع المؤسسة الحكومية الفلسطينية والمؤسسات غير الحكومية المدعومة عربياً لوضع المخططات اللازمة لمواجهة ما آلت اليه الأمور التعليمية في قدسنا الصامدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.