شيماء محسب تكتب | التعليم.. قاطرة التنمية وأساس النهضة

0

التعليم هو العمود الفقري لبناء المجتمعات القوية والمستدامة، وهو المحرك الرئيسي لأي نهضة تنموية شاملة. إنه أكثر من مجرد عملية نقل للمعرفة؛ بل هو عملية تحويلية، تلامس كل أبعاد الإنسان، عقليًا وفكريًا وسلوكيًا، وتسهم في تشكيل مجتمعات قوية، وقادرة على مواجهة التحديات المتسارعة في عالم متغير. في المجتمعات النامية، يعد التعليم السبيل الوحيد للخروج من دوائر الفقر، والتخلف إلى آفاق النمو والازدهار، حيث يمثل استثمارًا استراتيجيًا في رأس المال البشري، وهو العنصر الأهم، لتحقيق التنمية المستدامة.
التعليم ليس هدفًا قائمًا بذاته، بل وسيلة لتحقيق الارتقاء الشامل بالإنسان والمجتمع. من خلاله، يتم بناء القدرات، وتعزيز القيم الإنسانية، وترسيخ مبادئ الديمقراطية، والمساهمة في تمكين الأفراد من الابتكار والإبداع. لذلك، فإن جودة التعليم ومستوى تطويره يعكسان مستوى تقدم المجتمع ككل، ويمثلان العامل الحاسم في تحديد مدى قدرة هذا المجتمع على التفاعل مع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية، التي يشهدها العالم.
إحدى القضايا الأساسية، التي تواجه نظم التعليم في العالم العربي، هي غياب رؤية متكاملة للتطوير. فالمناهج التعليمية في كثير من الأحيان، تُبنى بمعزل عن احتياجات المجتمعات ومتطلبات العصر، ما يؤدي إلى ضعف مخرجات التعليم، وعدم توافقها مع متطلبات سوق العمل. ويجب على أي استراتيجية تعليمية، أن تكون شمولية، بحيث تربط بين الجوانب النظرية والتطبيقية، وتُعنى بتطوير المهارات الحياتية والعملية للطلاب. هذه الاستراتيجية ينبغي أن تستند إلى فلسفة تربوية واضحة، تضع في اعتبارها الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لكل مجتمع، مع الالتزام بالمعايير الدولية، التي تضمن جودة التعليم.
إن تصميم المناهج الدراسية، هو علم وفن في آن واحد، يتطلب رؤية شاملة، تأخذ في الاعتبار المدخلات النفسية والاجتماعية والثقافية للطلاب، وتستند إلى تحليل دقيق لاحتياجات المجتمع وقضاياه. المناهج الناجحة، هي التي تُدمج فيها التكنولوجيا الحديثة كأداة تعليمية أساسية، إلى جانب التركيز على المهارات الإبداعية والنقدية للطلاب.
على صعيد طرق التدريس، يجب تجاوز الأساليب التقليدية، التي تعتمد على التلقين والحفظ إلى نماذج أكثر تفاعلية، تركز على دور الطالب كفاعل أساسي في العملية التعليمية. طرق مثل التعليم التعاوني، والتعلم الذاتي، أثبتت فعاليتها في تعزيز قدرات الطلاب على التفكير النقدي، وحل المشكلات، والعمل الجماعي. كما أن الاستثمار في تدريب وتأهيل المعلمين، يُعد أحد العوامل الأكثر أهمية، إذ إن المعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية، ولا يمكن تحقيق أي نهضة تعليمية دون تمكينه من الأدوات والمعارف، التي تؤهله للقيام بدوره بكفاءة.
رغم الجهود المبذولة لتحسين التعليم في العديد من الدول العربية، فإن الواقع، يشير إلى وجود تحديات كبيرة، تعوق تحقيق أهداف التنمية البشرية. من أبرز هذه التحديات مشكلة الأمية، التي لا تزال منتشرة في بعض المناطق، وضعف البنية التحتية للمدارس والمؤسسات التعليمية، وقلة الموارد المادية والبشرية. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الأنظمة التعليمية من ضعف في التخطيط الاستراتيجي، ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة بين الخريجين، نتيجة عدم توافق التخصصات مع احتياجات سوق العمل.
ومن هنا تأتي الحاجة الملحة إلى إصلاح جذري للمنظومة التعليمية، يبدأ بتقييم شامل ودقيق للأوضاع الحالية. ينبغي أن يشمل هذا التقييم مراجعة شاملة للمناهج الدراسية، وتطوير استراتيجيات تعليمية تستجيب لمتطلبات العصر الرقمي، وتتبنى نماذج تعليمية مبتكرة تراعي الفروق الفردية وتُشجع على الإبداع والابتكار.
على سبيل المثال، جاءت مبادرة “بداية جديدة لبناء الإنسان المصري”، كإحدى الخطوات الرائدة في هذا السياق، حيث تسعى إلى الاستثمار في رأس المال البشري من خلال تطوير المناهج التعليمية، وتوفير برامج تدريبية للمعلمين، وتعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية. هذه المبادرة ليست فقط خطوة نحو تحسين التعليم، بل هي رؤية شاملة، تهدف إلى بناء أجيال جديدة، تحمل قيم الانتماء للوطن، وتُسهم في تحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الأوسع.
التعليم هو الجسر، الذي يعبر من خلاله الإنسان والمجتمع إلى مستقبل أفضل. إنه السبيل لإعداد أجيال قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في عالم يتسم بالتغير السريع. ومن هذا المنطلق، يجب أن يظل التعليم في صدارة الأجندة الوطنية كقضية مفتوحة للنقاش والتطوير المستمر. تحقيق النهضة التعليمية، يتطلب إرادة سياسية قوية، ورؤية مجتمعية واضحة، واستثمارات طويلة الأجل تضع الإنسان في قلب عملية التنمية. وختامًا، يمكن القول، إن التعليم ليس فقط وسيلة للارتقاء بالمجتمعات، بل هو الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الأمم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.